ورد في رسالة يوحنا الأولى "إِنْ قَالَ أَحَدٌ: إِنِّي أُحِبُّ ٱللهَ وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لِأَنَّ مَنْ لَا يُحِبُّ أَخَاهُ ٱلَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ ٱللهَ ٱلَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ"؟ (يُوحَنَّا ٱلْأُولَى ٤:‏٢٠). يؤكد الرسول أن محبتنا لإخوتنا هي الدليل على محبتنا لله الذي أوصى بذلك (متى ٢٢: ٣٥-٣٩). المحبة الحقيقية هي محبة الإنسان لأخيه في الإنسانيّة، كم بالأحرى لأخيه من لحمه ودمه.

محبة الإخوة هي الدليل الصادق على محبتنا لله، فيستحيل أن نقتني محبة الله ونحن لا نحب إخوتنا. من هنا وقوع الخلافات بين الإخوة، لدليلٌ واضحٌ على تغييب الله عن ناموسهم، وما يأّتيه من تبعيات. هذا ما يُدخل في قلبي الحزن والألم، وما أكثر الخلافات هذه الأيام، وهي، للأسف، على ازدياد.

بالمبدأ ينشأ الإخوة في رحاب عائلة، يعيشون معًا حلاوة الحياة ومرّها، وما هي سنوات حتى يفترق الأحباء، لأسباب وأسباب، الذين كانوا للأمس القريب، ينعمون بدفء العائلة وتحت كنف ورعاية الأب والأم.

إذا فتّشنا عن الأسباب، غير المباشرة، لوجدنا أن المال رأس حربة الخلافات. طبعًا دون أن نغفل الحسد، والغيرة، والمعاتبات، والاختلافات في الآراء، ودخول أفراد جدد إلى العائلة، والتدخلات، وضعف الإيمان. وفي هذا الإطار يقول الرسول بولس في رسالته إلى تيطس: "وَأَمَّا الْمُبَاحَثَاتُ الْغَبِيَّةُ، وَالأَنْسَابُ، وَالْخُصُومَاتُ، وَالْمُنَازَعَاتُ النَّامُوسِيةُ فَاجْتَنِبْهَا، لأَنَّهَا غَيْرُ نَافِعَةٍ، وَبَاطِلَةٌ" (تيطس ٣: ٩). يوصي تلميذه تيطس وكل المؤمنين بتجنّب هذه الأمور، لأن هذا الكلام يثير التوتّر ولا يفيد شيئًا.

أمّا المال، الذي هو أصل كل الشرور، فهو سيد قاسٍ يجعل مَن يعبده يتخلّى عن الله وضميره وأحبائه، ويجري فقط وراءه. هكذا تسقط العلاقات العائلية، ولا سيما بين الإخوة، فيحصل ما لم يكن بالحسبان، وضد مشيئة وتوصيات الأهل، الذين يغادرون دنياهم وهم يوصون اولادهم بالمحبّة والقربى ومساعدة بعضهم البعض، وعدم التفرقة، وصنع الرحمة.

يطول الكلام في هذا المضمار، وكي يستطيع الإخوة أن يجتمعوا ويسكنوا معًا بسلام، ينبغى على كل واحد أن يتنقّى من خطاياه، ويؤمن بالله ويحيا معه، وحينئذ يستطيع أن يحب الإخوة بعضهم بعضًا، ويتعايشون بمحبة وهناء، وعكس ذلك إيمان بطّال وعبادة كاذبة. مَن يسكن الله فيه، يتساكن مع عائلته بسلام وهدوء، ويستطيب ذلك.

فلنعي أن المشكلة تكمن في مفهوم التربية عندنا. الأهل، بالإجمال، همّهم حفظ وصون أبنائهم من كل شرّ، مع عدم التمييز، خصوصًا بين الولد والبنت، وعكس ذلك يؤدّي إلى نتائج سلبية. حتى نتجنّب الخلافات بين الإخوة، على الأهل أن يفهموا التربية الحقيقية بزرع كلمة الرب في الأولاد، لا تأمين الرفاهية فقط، فتنشأ عائلة صالحة متماسكة، وعندها كل شيء يزاد.