على وقع التركيز المحلي على الحراك الذي يقوم به سفراء اللجنة الخماسية، المتعلق بشكل أساسي بالملف الرئاسي، هناك "هجمة" دبلوماسية أخرى بإتجاه الساحة المحلية، من المفترض أن تتضح معالمها بشكل أكبر في الأيام المقبلة، عنوانها ترتيب الأوضاع على الجبهة الجنوبية، كمقدمة نحو مواكبة مرحلة جديدة من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تنطلق من المؤشرات التي تتحدث عن إقتراب الوصول إلى تسوية، تقود إلى وقف إطلاق النار أو هدنة طويلة.

في الأصل، كانت جبهة الجنوب، منذ اليوم الأول، جبهة "مساندة"، بحسب التوصيف الذي أعطي لها من جانب "حزب الله"، لكن في الأيام الماضية بدأ الحديث عن أن تل أبيب قد تعمد إلى إستغلال الهدنة في غزة، في حال الوصول إليها، لشن عدوان واسع على لبنان، لمعالجة الخلل الأمني الناجم عن عمليات الحزب، لا سيما في ظل المخاوف التي لدى النازحين من المستوطنات الشمالية.

في هذا السياق، تلفت مصادر مواكبة، عبر "النشرة"، إلى أنه على الرغم من هذه التقديرات السلبية، هناك أخرى تؤكد أن أي هدنة في غزة من المفترض أن تنعكس على الجبهة الجنوبية، خصوصاً أن هذا الأمر كان قد حصل في الهدنة الماضية، بالرغم من أن الحزب لم يكن فريقاً في المفاوضات التي أدت إليها، وتلفت إلى أن هذا الأمر له ما يعززه في الموقف الأميركي، حيث لا تزال واشنطن تشدد على ضرورة عدم خروج الأوضاع على هذه الجبهة عن السيطرة.

إنطلاقاً من ذلك، ترى هذه المصادر أنه على الرغم من الأهمية التي تعطى للجبهة الجنوبية، لا سيما من الجانب الإسرائيلي، إلا أن الأساس يبقى أنها جبهة "ثانوية"، وبالتالي المعضلة تبقى في كيفية الوصول إلى إتفاق متعلق بالأوضاع في غزة، على أن يقود ذلك، تلقائياً، إلى تهدئة على هذه الجبهة، من دون أن تلغي هذه المعادلة أنها ستكون جزءاً من مفاوضات أوسع في المرحلة التي تلي، نظراً إلى أن الأوضاع لا يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه قبل الثامن من تشرين الأول الماضي، أي تاريخ إنطلاق عمليات "حزب الله" العسكرية.

حتى الساعة، لا يزال الحزب على موقفه، الذي أعلنه منذ بداية الحراك الدبلوماسي المتعلق بالجبهة الجنوبية، أي رفض البحث في أي أمر قبل وقف إطلاق النار في غزة، وهو ما لا يزال يبلغه إلى جميع من يتواصل معه، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لكن هذا لا يعني عدم إنطلاق المباحثات التمهيدية.

في هذا الإطار، تلفت المصادر إلى إرتفاع وتيرة الزيارات الدبلوماسية إلى بيروت، في الوقت الراهن، حيث تؤكد أنها لا تنفصل عن التقدم الحاصل في المفاوضات المتعلقة بغزة، لوجود رغبة واضحة في بناء أرضية مناسبة، تكون منطلقاً نحو مفاوضات أخرى تشمل الجبهة الجنوبية، وهو ما ستظهر المزيد من تفاصيله مع عودة مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة عاموس هوكشتاين إلى المنطقة في وقت قريب، على قاعدة أنه هو المكلف من قبل إدارة بلاده بمتابعة هذا الملف.

بالنسبة إلى هذه المصادر، ضمن هذا الإطار ينبغي وضع الزيارة التي قام وزير الخارجية البريطانية ديفيد كاميرون إلى بيروت، بالإضافة إلى تلك التي من المفترض أن يقوم بها، الأسبوع المقبل، وزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورني، حيث بات من الواضح أن هناك مجموعة من الطروحات التي تقدم في هذا المجال، من دون أن يعني ذلك إنطلاق البحث الجدي حولها، طالما لم يتم الإعلان عن إتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.

في المحصلة، ترى المصادر نفسها أن ما يمكن الحديث عنه هو وجود رغبة حقيقية، بأن يكون لبنان جزءاً من التهدئة المنتظرة في غزة، التي من المفترض أن تظهر مؤشراتها في الأيام المقبلة، الأمر الذي سيفتح الباب أمام جولة طويلة من المفاوضات تتعلق بالأوضاع في جنوب لبنان، إلى جانب إمكانية أن تشمل الملفات السياسية العالقة، وبالتالي هناك إيجابية يمكن البناء عليها، في حال لم يتحصل مفاجأة على المستوى الفلسطيني، تعيد الأمور إلى نقطة الصفر.