بين الحين والآخر، يعود الحديث عن حراك جديد هدفه إنضاج تسوية رئاسيّة، مصدره في بعض الأحيان داخلي وفي أحيان كثيرة خارجي، من دون أن يقود ذلك إلى أيّ تبديل في المعادلة القائمة، منذ لحظة دخول البلاد مرحلة الشغور بعد إنتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، لناحية تمسك كل فريق برؤيته لهذا الإستحقاق، وعدم الرغبة بتقديم أيّ تنازل يقرب من المسافات المتباعدة.

في الأيام الماضية، عاد الحديث عن حراك جديد من الممكن أن يبادر إليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بعد أن كان الشخصية الوحيدة التي إجتمع بها سفراء اللجنة الخماسية في الأسابيع الماضية، لكن الرهانات على مثل هكذا حراك تبدو معدومة، بسبب مواقف الأفرقاء المعروفة مسبقاً، سواء من ​الإستحقاق الرئاسي​ أو من مبدأ الحوار نفسه.

في هذا السياق، تعود مصادر نيابية، عبر "النشرة"، إلى التأكيد أنّ المسألة أكبر من قدرة الأفرقاء اللبنانيين على إنضاج حلّ، خصوصاً أن العدوان الإسرائيلي على ​قطاع غزة​ و​جنوب لبنان​ رفع من مستوى التعقيدات، وتلفت إلى أنه قبل هذا العدوان كان هؤلاء الأفرقاء وما برحوا يعجزون عن الوصول إلى تسوية، وبالتالي لا يمكن توقع أن يكونوا قادرين على ذلك، بعد تداعيات الحرب الجارية، لا سيما أن الساحة اللبنانية أساسية من ساحات الصراع القائم.

إنطلاقاً من ذلك، تشير هذه المصادر إلى تراجع الحديث عن إجتماع اللجنة الخماسية المرتقب أو حتى زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي ​جان إيف لودريان​ إلى بيروت، الأمر الذي يصبّ في خانة الوصول إلى قناعة دوليّة بصعوبة الوصول إلى حلّ قبل الوصول إلى تسوية على المستوى الإقليمي، وهو ما يتطلب الإنتهاء من الاعتداءات الإسرائيلية على غزة والجنوب، بالرغم من المساعي الكبيرة، التي بذلت في الأسابيع الماضية، للفصل بين الملفين.

من وجهة نظر المصادر نفسها، أي فصل من المفترض أن يقوم على معادلة الذهاب إلى التسوية المرحلية، أي الخيار الرئاسي الثالث، لكن في ظل الظروف القائمة إقليمياً، التي تصب في إطار السعي إلى إنجاز تسوية كبرى على مستوى المنطقة، بعد الإنتهاء من حالة الحرب الراهنة، لا يمكن توقع أن تبادر أي جهة معنية بالساحة اللبنانية إلى خسارة ورقة التفاوض القوية التي بين يديها، ولذلك ستبقى الأمور معلقة في الوقت الحالي.

في هذا الإطار، توضح مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، أن كل ما يطرح من سيناريوهات، في المرحلة الراهنة، هو عبارة عن أفكار لا أكثر، تحتاج إلى بلورة أكبر بعد وضوح الصورة التي ستكون عليها المنطقة في المستقبل، نظراً إلى أن المعادلات قد تكون مختلفة بعد إنتهاء العدوان على غزة والجنوب، وبالتالي لا يمكن الحديث عن حسم في التوجهات على هذا الصعيد، على إعتبار أن التوازنات الميدانية ستكون هي المقرر الأساسي، بعيداً عن أي إعتبار آخر.

وعلى الرغم من النفي المتكرر لفرضية المقايضة، بين الملفّ الرئاسي وترتيبات الجبهة الجنوبية، تؤكد هذه المصادر أنّ هذه الفرضية هي السيناريو الأقرب إلى الواقع، على إعتبار أن هناك حاجة لدى ​الولايات المتحدة​ الأميركية، متعلقة بأوضاع النازحين من سكان المستوطنات الشمالية، وهو ما يدفعها، ولو بصورة غير مباشرة، إلى ضخ الرسائل المتعلقة بإمكانية حصول مقايضة مرتبطة بالأوضاع الداخلية، الأمر الذي نفى أمين عام "​حزب الله​" ​السيد حسن نصرالله​، في خطابه الماضي، إمكانية الموافقة عليه.

في المحصلة، تلفت المصادر نفسها إلى أن ما تقدم لا يعني حسم معادلة المقايضة بأي شكل من الأشكال، نظراً إلى أن كافة الخيارات تبقى متاحة، لا سيما أن الولايات المتحدة ليست الفريق الوحيد المؤثر بالساحة اللبنانية، كما أن جزءاً جوهريًّا من ترتيبات الوضع على الجبهة الجنوبية مرتبط بدور ​المؤسسة العسكرية​، ما قد يتطلب تسوية من نوع آخر.