كالعادة استخدمت ​الولايات المتحدة الأميركية​ حق النقض الفيتو في ​مجلس الأمن​، الثلاثاء الماضي، لإسقاط مشروع قرار أعدته الجزائر بدعم عربي للمطالبة بـ"وقف فوري ودائم للنار لأسباب إنسانية، في ​غزة​، ولكن الجديد هذه المرة أن الفيتو رافقه مقترحاً بديلاً يدعو الى "وقف موقت للنار في أقرب وقت عملياً"، ويحذر ​إسرائيل​ صراحة من تنفيذ عملية عسكرية كبيرة في رفح.

للمرة الرابعة تستخدم أميركا الفيتو بوجه محاولات وقف النار في غزة، ولكن هذه المرة قدّمت بديلاً حمل جديداً، ولو أن البعض يشكك بمدى جدية الولايات المتحدة الأميركية برغبتها وقف اطلاق النار، معتبرين أن كلامها هذا يهدف الى كسب المزيد من الوقت لاسرائيل.

بالمقابل، يرى الباحث في الشؤون الدولية ​محمد سيف الدين​ أن المشروع الأميركي حمل تقدماً كبيراً ينبغي التوقف عنده، وهو يشكل خطوة إضافية للضغط على اسرائيل وحكومة ​بنيامين نتانياهو​ للإلتزام بالرؤية الأميركية لحل الصراع الحالي.

يُشير سيف الدين عبر "النشرة" الى أن المشروع حمل لأول مرة دعوة لوقف إطلاق النار، دون تحديد غطاء زمني واضح له، والهدف الأساسي منه بالدرجة الأولى الضغط على نتانياهو للالتزام بالرؤية الاميركية، الى جانب هدفه بتعطيل مشروع القرار الجزائري الذي يعبر بلغة متقدمة عن ضرورة وقف النار فوراً.

كثيرة هي الأسباب التي دفعت الأميركيين الى التقدم خطوة الى الأمام في مشروع القرار هذا، منها بحسب سيف الدين أنه يأتي بعد نشر استطلاعات للرأي تُظهر تقدم المرشح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب بفجوة هي الأكبر مع بايدن اليوم منذ بدء الحملات الانتخابية، وبالتالي يشعر الرئيس الأميركي انه يخسر الانتخابات باكراً وأن هناك ضرورة لتغيير النهج لان ملف الحرب في ​الشرق الأوسط​ بات مكلفاً على مستوى الموارد أولا، وعلى مستوى التأثير على شرائح من الناخبين الأميركيين الذين أذهلتهم تفاصيل الحرب.

في نفس السياق فإن وتيرة ارتفاع حدّة الرسائل الأمنية في المنطقة كان بارزا في الموقف الأميركي الجديد، خاصة ما يجري في البحر الأحمر، انطلاقاً من إسقاط مسيّرة أميركية، لم يكن الجيش الأميركي يعتقد بإمكانية إسقاطها، وثانياً من خلال ضرب السفن بشدة أكبر في المنطقة البحرية المذكورة، لا سيما ما حصل للباخرة البريطانية مؤخراً.

يُشير سيف الدين الى أن كل هذه التطورات أخذت بعين الاعتبار عند صياغة مشروع قرار أميركي مختلف عن الجزائري ولكن يشترك معه بالتعبير عن ضرورة وقف إطلاق النار، الى جانب إضافات مهمة لها علاقة بمنع الاستيطان اولا والتغيير الديمغرافي في غزة ثانيا، وذلك رداً على خطط الحكومة الاسرائيلية التي خرجت الى العلن في شهر كانون الأول الماضي، بالإضافة الى رفض فرض منطقة عازلة في القطاع، وكل هذه مكتسبات مهمة للفلسطينيين.

لا شكّ أن عدم تحديد إطار زمني في القرار الأميركي يهدف للضغط أيضاً على ​حركة حماس​ لتقديم التنازلات، ولكن هذا القرار يمكن اعتباره المرحلة الأولى لإطلاق العملية السياسية التي ستؤدّي الى وقف الحرب بشكل كامل، فبرأي سيف الدين إن المرحلة المقبلة قد تُنضج شيئاً فشيئاً ظروف وقف الحرب.