لا يزال الصراع حول تطبيق الإرادة الرسولية في الكنيسة قائماً، وفي الاجتماع الاخير لمجلس المطارنة الموارنة الذي عقد في بكركي أوائل شباط طُرح موضوع تطبيق الارادة الرسولية وتدخّل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لايقاف الجدل بين المطارنة طالباً من رئيس المحكمة الموحدة إعداد دراسة قانونية فقط لا غير!.

إنتظر المطارنة الدراسة فإذا بهم يتفاجأون بتعميم صادر عن البطريرك الراعي بعنوان "حول العلاقة بين محكمة الابرشية والمحكمة الموحّدة"، ويتوجه فيه الى المطارنة في لبنان. المطّلعون على الموضوع لا يتوانون عن إيجاد الاعذار للراعي في اصدار التعميم معتبرين أن خلف كلّ ذلك المطران "القوي" الذي نجح في جرّ الصرح البطريركي الى مكان رُبما ما كان يجب أن تصل اليه الامور، الا وهو تحدّي إرادة البابا فرنسيس في "الارادة الرسولية" التي أصدرها في العام 2015 وبالتالي يظهر وكأنّ الراعي يتمرّد على الفاتيكان.

مضمون الارادة الرسولية

تشدّد الارادة الرسولية في ق. 1086 على أن على الأسقف الأبرشي أن يقيم نائباً قضائياً، وتذكر في فقرة 1359 البند1: في كل أبرشية يكون الأسقف الأبرشي قاضي الدرجة الأولى في دعاوى بطلان الزواج التي لا يستثنيها الشرع صراحة ويستطيع ممارسة السلطة القضائية إما شخصيا أو بواسطة آخرين.

أما البند 2 فيشير الى أن "على الاسقف أن يقيم محكمة أبرشية خاصة بدعاوى بطلان الزواج داخل أبرشيته مع حفظ صلاحية التعاون مع محكمة أبرشية مجاورة أو مع محكمة لعدّة أبرشيات.

البند 3: يحفظ النظر في دعاوى بطلان الزواج لمحكمة مجلسيّة من ثلاثة قضاة يجب أن يرأسها قاضٍ إكليريكي ويمكن للقاضيان الآخران أن يكونا من المؤمنين المسيحيين. أما البند 4 فيقول: إذا تعذّر على المطران المشرف تشكيل محكمة مجلسية في الأبرشية أو في الأبرشية المجاورة التي اختيرت بموجب البند 2، فليكل الدعاوى الى قاضٍ منفرد اكليركي.

خلاصة كلّ ما أوردناه. وبحسب ما يشرح مطّلعون فإنّ "المطران في كلّ أبرشية يفترض أن يكون هو المرجع المسؤول، وأن يعيّن نائبا قضائياً عنه للبتّ بالدعاوى من حيث المهل الأقصر أو تحويلها بالطرق العادية".

"فخّ" التعميم؟!

لنسف كلّ ذلك وحصر الصلاحية بالمحكمة الموحّدة وضع "المطران القوي" خطّته الّتي اسفرت عن إصدار الراعي تعميما مخالفا لمضمون الارادة الرسولية الصادرة عام 2015 إستند فيه الى ارادات رسولية سابقة صدرت عن الكرسي الرسولي (للبابا بيوس الثاني عشر في 06/01/1950) وعلى اتفاق بين الاساقفة صادر عن سينودوس الكنيسة المارونيّة بتاريخ 02 آب 1956، متناسيا أن البابا فرنسيس في الارادة الرسولية التي أصدرها في العام 2015 كان حازماً وجازماً، وقال حرفياً "إن ما رسمته في هذه الإرادة الرسولية، آمر بأن يكون صحيحاً وفاعلاً، بالرغم من أيّ تدبير معاكس ولو كان جديراً بالذكر".

ما يعني أن البابا فرنسيس وبمضمون الارادة التي أصدرها نسف كل الارادات السابقة حين خاطبهم بلغة الأمر، قائلا: "آمر بأن يكون فاعلا ربالرغم من أي تدبير معاكس". ويشير المطلعون الى أن "الارادة الجديدة جاءت بمثابة تعديل قوانين يجب الالتزام بها فإذ برأس الكنيسة المارونية يصدر تعميماً مخالفاً في الجوهر لتلك الارادة".

دور النائب القضائي

بالعودة الى نص التعميم الصادر عن بكركي والذي حصلت "النشرة" على نسخة منه، تشير النقطة الثالثة فيه الى أنه "يبقى لكل أسقف أبرشي الحق في أن يعين من بين كهنة أبرشيته قاضياً يدعى "القاضي الأبرشي" أو "القاضي الفرد" للقيام بسائر الدعاوى... ويشرح المطلعون أن "هذا النص مخالف ايضا للارادة الرسولية التي تؤكد نص مجموعة الكنائس الشرقية في القانون 1806 البند 1 والتي تشير الى أن "الاسقف الابرشي مضطر الى أن يقيم نائباً قضائياً غير النائب العام، وهذا النائب القضائي يؤلّف محكمة واحدة بناء على ارشادات الاسقف الابرشي الذي يبقى له صلاحية إصدار الاحكام".

"وعودة للترجمة اللاتينية للنصوص القانونية بخصوص تعيين نائب قضائي". يلفت المطلعون الى أن "المصطلح هو Vicaire judiciaire في محاكم الأبرشيات أي نواب قضائيين وVicaire officiel في المحكمة الابتدائية الموحّدة، وهذا ما يؤكد مخالفة التعميم بالتعدّي على صلاحيات مطارنة الابرشيات التي منحهم إياها البابا فرنسيس بتعيينهم نواباً قضائيين".

تأمين استمرارية المحكمة الموحدة

كذلك يتحدث التعميم في النقطة الثامنة منه الفقرة الثالثة عن إدخال طريقة المحاكمة الأقصر بحيث يكون المطران الأبرشي هو القاضي بالتعاون مع النائب القضائي في المحكمة الموحّدة. ويرى المطلعون أنه "هنا تكمن لبّ المخالفة إذ إن التعميم الصادر عن الراعي "يسخّر" النصوص القانونية المنتهية الصلاحية لأن الارادة الرسولية تنسف مضمونها ليؤمّن الإستمرارية الشرعية للمحكمة الموحّدة، ويقوّض مطارنة الأبرشيات ويخضعهم قضائياً لسلطة المطران المشرف على عمل المحكمة الابتدائية الموحّدة لهدفين: الأول مالي بحيث تبقى الأموال التي تقتطع من رسوم الدعاوى تدفع في صندوق المحكمة الابتدائية الموحدة، والثاني هو فرض المركزيّة وتعطيل عمل الأجهزة القضائيّة في الأبرشيات بحجة الفوضى علماً أن كلّ القضاة في المحكمة الابتدائية الموحّدة ينتمون الى تلك الأبرشيات التي يشكّلون فيها حكماً محاكم.

لا شكّ أن البابا فرنسيس وعند إصداره الارادة الرسولية فكّر في مصلحة رعيته، ولكن المنحى الذي تأخذه الكنيسة المارونيّة في موضوع تصعيب موضوع بطلان الزواج لدى الموارنة حتماً سيرمي بهم في أحضان مذاهب أخرى، وقد يدفعهم الى إبدال المذهب أو الدين الى طوائف أخرى لاختصار الوقت لإنهاء الزواج وتوفير الكلفة الباهظة في المحكمة الإبتدائية الموحّدة... والواضح أن الكنيسة باتت أمام خيارين: إما الانصياع لرغبة "المطران القوي" بفرض سلطته وسيطرته لمصالح خاصة أو تطبيق الارادة الرسولية، فالى أين ستؤول المعركة؟!.