طوال الفترة الماضية، جرى الترويج لمعادلة أن غالبية الموفدين الدوليين، الذين يزورون لبنان منذ بداية ​العدوان الإسرائيلي​ على ​قطاع غزة​، يبحثون في كيفية فصل الجبهة الجنوبية عن الحرب الدائرة في ​فلسطين المحتلة​. الأمر الذي تبيّن أنه غير ممكن، خصوصاً بعد أن أبلغ "​حزب الله​" الجميع بأن الأعمال العسكرية على هذه الجبهة لن تتوقف قبل وقف الحرب على غزة.

على الرغم من ذلك، لم تتوقف الطروحات التي تقدم إلى الجانب اللبناني الرسمي، والتي من الطبيعي أنها كانت تصل إلى "حزب الله" لإبداء الرأي حولها، لكن وحده مستشار الرئيس الأميركي عاموس ​هوكشتاين​ كان يدرك صعوبة الوصول إلى حل، ما دفعه إلى إنتظار الفرصة المناسبة قبل أن يقرر العودة من جديد إلى بيروت يوم أمس.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ هذه الفرصة تتمثل بتقدم مفاوضات الوصول إلى هدنة في قطاع غزة، حيث تنصبّ الجهود الأميركيّة على الوصول إلى إتفاق بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، قبل بداية شهر رمضان، بالرغم من العراقيل الّتي لا تزال تصطدم بها هذه الجهود، بسبب الشروط والشروط المضادة الموضوعة.

بالنسبة إلى هذه المصادر، هذا الواقع يكرّس، بصورة مباشرة، الربط بين الجبهتين، الأمر الذي يوحي بأن هناك تسليماً أميركياً بهذه المعادلة التي فرضها "حزب الله"، بغض النظر عن أن واشنطن، التي تسعى منذ اليوم الأول لتفادي توسيع رقعة المواجهة في المنطقة، كانت تفضل عدم حصول ذلك، حيث تلفت إلى أنه في نهاية الأمر فانّ ​الولايات المتحدة​ تتعامل بواقعية مع الأحداث، ولا يمكن لها أن تتجاهل هذا المعطى.

وما تقدم حسب المصادر نفسها لا يعني أن هوكشتاين، المكلف من قبل بلاده بمتابعة الأوضاع على الجبهة الجنوبية، لم يكن يستكمل الإتصالات والمشاورات الهادفة للوصول إلى تصورات أولية لفرضية اليوم التالي، بعيداً عن التهويل الإسرائيلي المستمر بالإستمرار بها بغض النظر عن الواقع في غزة، حيث تشدد على أن الجميع يدرك أن تل أبيب لن تكون في وارد الذهاب إلى مواجهة على هذه الجبهة، في حال عادت الأمور إلى الهدوء.

في قراءة مصادر نيابيّة مواكبة، ما ينطبق على الملف العسكري ينسحب أيضاً على الملف السياسي، حيث تؤكد أن هناك تسليماً من قبل الولايات المتحدة بأن الحل لا يمكن أن يأتي قبل وضوح الصورة التي ستكون عليها المنطقة، وهو ما دفعها، بشكل أو بآخر، إلى فرملة الجهود التي كانت تقوم بها ​اللجنة الخماسية​ الدولية الإقليمية، على إعتبار أن "حزب الله" لن يذهب إلى تقديم تنازلات بـ"المفرق"، بالإضافة إلى ضرورة الإبقاء على ورقة من الممكن مساومته عليها.

وفي حين تشير هذه المصادر إلى أن المرحلة الثانية من رؤية هوكشتاين للحل، التي تتألف من 3 مراحل، قد تكون نقطة الإنطلاق نحو البحث في الملف السياسي، لا سيما الجانب الرئاسي منه، توضح أن ذلك يعود إلى الرغبة بوجود رئيس للجمهورية يتم التفاوض معه، تماماً كما حصل في ملفّ ​ترسيم الحدود البحرية​ خلال ولاية الرئيس السابق ميشال عون، لكنها تطرح الكثير من علامات الإستفهام حول مصلحة الفريق اللبناني المعني، أي "حزب الله"، في وجود رئيس يتولى التفاوض في هذه المرحلة، أي قبل الوصول إلى إتفاق نهائي.

في المحصّلة، تشدد المصادر نفسها على أنه بغض النظر عن المواقف المعلنة، التي تؤكد عدم وجود ترابط بين الملفّين السياسي والعسكري، فإنّ هذا الواقع قائم من الناحية العملية ولا يمكن تجاوزه، وترى أن فرصة إنطلاقة البحث الجدي في هذا الملف، تتوقف على مصير مشاورات الهدنة في قطاع غزة، بالرغم من قناعتها بأن الحسم في الملف الرئاسي لن يكون سهلاً على الإطلاق.