لا يمكن لاحد ان يعرف بشكل تام القدرات التي يصل اليها ​الذكاء الاصطناعي​Artificial Intelligence A.I، ليس فقط على صعيد الابداع والخلق الفني، انما الخطورة تكمن في العمل العسكري ايضاً، والخوف من الانحرافات التي يقوم بها هذا الذكاء حين يتم تزويده بتعليمات ومعطيات مقصود فيها ايذاء الآخرين. وعلى غرار كل ابتكارات الانسان، يمكن استخدام الاختراعات للخير كما للشر، وفق ما حصل على الصعيد النووي مثلاً.

في هذا السياق، تجد ​الولايات المتحدة الاميركية​ نفسها في قفص الاتهام من قبل جمعيات حقوقية ومدنية وانسانية، اميركية واوروبية، تدعوها الى ممارسة رقابة اكثر صرامة على حلفائها في استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب، واول هؤلاء: ​اسرائيل​ التي اعترفت باستخدام برنامج ذكاء اصطناعي اطلقت عليه اسم "غوسبل" في الحرب التي تشنها على غزة. وفي حين كان من المفترض ان يؤدي مثل هذا الاستخدام الى طمأنة العالم بأنّ المدنيين سيكونون اكثر اماناً واقل عرضة للقصف والقتل، بدت الامور معكوسة تماماً مع وصول عدد القتلى الفلسطينيين في غزة الى 30 الف قتيل واعداد الجرحى الى ضعف هذا الرقم واكثر. واعترف ​الجيش الاسرائيلي​ باستعمال هذا النظام، وفي معرض تبريره الدفاع عن قراره، حيث اكد المتحدث باسم ​القوات الاسرائيلية​ ان البرنامج لا يمكن استعماله الا بعد قرار يتخذه مسؤولون عسكريون، اي ان البصمة البشرية لا بد منها لتفعيل النظام. انما هذا تماماً ما يجب ان يخشاه العالم، فالمسؤولون الاسرائيليون متعطشون للدماء كما ظهر، حتى ان بعضهم دعا الى استخدام القنبلة النوويّة لابادة الفلسطينيين، وبالتالي، فإن هؤلاء قد يشكلون السبب الرئيسي لاتهام البرنامج المذكور بالقضاء على المدنيين من خلال استهداف المدارس والمستوصفات والمستشفيات وغيرها... فيراها الذكاء الاصطناعي كأماكن مشروعة لقصفها، ما يشكل خرقاً فاضحاً للقواعد والاخلاقيّات التي تضع الى حد ما، بعض الضوابط في الحروب كي لا تتحول الى عمليات إبادة جماعية لشعوب او اعراق.

الضغوط التي برزت اخيراً في الولايات المتحدة، من شأنها ان تعزز مواجهة الرئيس الاميركي ​جو بايدن​ ورئيس الوزراء الاسرائيلي ​بنيامين نتنياهو​، والتي اخذت منحى اكثر علانيّة مع وصول الوزير الاسرائيلي ​بيني غانتس​ الى واشنطن ولقائه المسؤولين الاميركيين، ما اثار حفيظة نتنياهو واعتبره رسالة واضحة بأنه بات على قائمة الاشخاص غير المرغوب فيهم لدى الادارة الاميركيّة الحاليّة. وعلى الرغم من ان موضوع الذكاء الاصطناعي لم يطرح بعد من قبل بايدن وفريقه، الا انه قد يلفت الانظار اذا ما قدّر له ان يسرّع في ايقاع المعركة مع نتنياهو، ويمكن للولايات المتحدة الاميركية بما لها من نفوذ على اسرائيل، ان تلزمها بالاستعمال المسؤول لبرنامج الذكاء الاصطناعي تحت طائلة فرض عقوبات، كما اجبارها على التوقيع على معاهدة تدعمها اميركا، لهذه الغاية (اي الاستعمال المسؤول) في الحروب والتي سبق لنحو 50 دولة التوقيع عليها (ومنها المانيا وبريطانيا) فيما رفضت اسرائيل ذلك.

انها مرحلة جديدة من الحروب، تفرض التصرّف المسؤول والقادر على التفريق بين مدني وعسكري او مقاتل، وهذا بالتحديد ما يجب على الولايات المتّحدة السعي اليه، بما انها تقدّم نفسها على انها قائدة العالم، وهذه مسؤوليتها، واول الغيث يكون بالتعاطي غير المنحاز مع اسرائيل في هذا المجال، بغض النظر ما اذا كان الخلاف مع رئيس الوزراء الحالي ام لا، فالمسألة لا تتعلق بمصالح دولة او علاقات شخصية، فما هو على المحك ابعد بكثير من ذلك، وتبقى العبرة في ما ستتّخذه الادارة الاميركية من قرارات، فالقطار يسير بسرعة واذا لم يتمّ ضبطه، فعلى الدنيا السلام؟.