عندما دخل لبنان زمن ​الفراغ الرئاسي​ عام 2014 وبعدها عام 2022 لم تكن المشكلة بإسم الرئيس، بل بالخيارات السياسية والاستراتيجية، والاهم بربط مصير لبنان ومساره بدول خارجية ترعاه، واليوم لم يكن الفراغ وليد أزمة خيارات بين ​التيار الوطني الحر​ و​حزب الله​ فقط على سبيل المثال لا الحصر، بل كان نتيجة عوامل أساسية هي: العلاقات الداخلية السيئة بين المكونات السياسية والنيابية، الصراع الاقليمي بين الجمهورية الاسلامية في إيران والمملكة العربية ​السعودي​ة، الصراع الدولي بين ​أميركا وإيران​ وتأثر لبنان بشكل مباشر بهذه المسألة.

هذه المشاكل الأساسية التي كانت تُعيق ولا تزال انتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي فالمسألة ليست متعلقة فقط بزعل رئيس الحزب الفلاني من نظيره، ولا برفض أحدهم النقاش مع الآخرين، ما يجعل الحديث عن كوّة تُفتح في جدار الأزمة يرتبط بتغييرات تطال هذه العوائق الأساسية، والتي زاد عليها في تشرين الاول الماضي ملفّ الحرب في المنطقة، من غزة الى ​جنوب لبنان​.

بين هذه الألغام تسير كل محاولات تقريب النظر في الملف الرئاسي، وهنا المقصود بتقريب وجهات النظر هو تهيئة الأرضيّة اللبنانيّة اللازمة لاستقبال التسوية التي تحتاج حتماً الى أرضيّة تسوقها في الداخل اللبناني، ومن هنا يُفهم ما تقوم به اللجنة الخماسيّة المكونة حالياً من سفراء الدول الخمس العاملة على خط الرئاسة، وأيضاً مبادرة كتلة الاعتدال الوطني التي لم تخرج عن طرح رئيس المجلس النيابي نبيه بري وتشاوره بخصوصه من السفراء الخمس.

تُشير مصادر نيابية متابعة الى أنّ تحميل دور الخماسيّة ما لا يحتمل هو السبب الأساسي الذي يجعلها تفشل، فهي تُدرك أن موازين انتخاب الرئيس ترتبط بملفات كبيرة وبالتالي فهي عملها مقتصر على محاولات تقريب وجهات النظر، وتقليص الفجوات بين القوى المتصارعة في الداخل لتمرير تسويات قد تأتي قريباً من الخارج، لذلك هي بحسب المصادر قررت تفعيل تحركها اليوم لمواكبة مبادرة الاعتدال علّها تنجح في تحقيق هذه الأهداف.

إذا، ليس الهدف من مبادرة الاعتدال ولا تحرك الخماسية انتخاب الرئيس وإنهاء الفراغ، إنما تهيئة الطريق لإمكانية حصول هذا الأمر من الخارج الى الداخل، وهنا يبرز دور قطر على الساحة اللبنانيّة إذ أنها من أخذت على عاتقها محاولة تمرير التسوية الرئاسيّة في زمن الهدنة في غزّة إن حصلت، وهذا بحسب المصادر دونه عقبات أيضاً.

تكشف المصادر عبر "النشرة" أن محاولات قطر تصب في إتجاه تمرير الرئاسة بحال حصلت الهدنة ليكون الرئيس مواكباً لكل مرحلة التفاوض التي ستأتي لاحقاً، مشيرة الى أن العقبات في هذه المسألة هي طبيعة الهدنة التي يمكن أن تحصل، فصحيح أن ​الثنائي الشيعي​ أكد مراراً ان مسار الحرب لا علاقة له بمسار الرئاسة، ولكن ذلك يتعلق بالعلاقة المباشرة السياسية بالدرجة الأولى، ما يعني أن الهدنة بحال حصلت ولم تكن مترافقة مع وقف لإطلاق النار أو تطمينات وضمانات بأن يتم البحث بوقف الحرب فقد لا يكون هناك مكان للتسويات بعد في المنطقة.

الاميركيون والإيرانيون يتفاوضون في عمّان، السعودي والإيراني ينسّقان في ملفّات المنطقة، بقي أن يصل الدور الى الملفّ اللبناني، في السياسة والحرب، وعندها يُفرج عن الرئيس المقبل، بعد أن تكون الخماسيّة والاعتدال وما بينهما من مبادرات قد أعدّا الأرضية اللازمة لذلك، فهل يكون الصيف رئاسياً أم هناك مفاجآت تُطيح بالرئاسة وتنقلنا الى مرحلة مختلفة؟.