مجددا... وبخلاف ما كان متوقعا، تفجرت أزمة الخلافات بين القوى الفلسطينية والشعبية والتربوية في لبنان وبين إدارة "الأونروا"، على خلفية اتخاذها إجراءات بحق بعض موظفيها تحت ذريعة مخالفتهم الحيادية، ومنها بمفعول رجعي ما طرح تساؤلات كثيرة عن توقيتها تزامنا مع تراجع عدد من الدول المانحة عن قرارها تعليق مساعداتها المالية عقب مزاعم إسرائيلية باتهام 12 موظفا بالمشاركة أو تأييد عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة "حماس" في 7 تشرين الأول 2023.

ووفق المعلومات، فقد تلقى رئيس قطاع المعلمين في اتحاد موظفي الأونروا"، مدير ثانوية دير ياسين في مخيم البص في منطقة صور المربي فتح شريف بريدا صادرا من المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني يقضي بتوقيفه عن العمل لمدة ثلاثة أشهر دون راتب، وإخضاعه للتحقيق على خلفية ادّعاءات بأنّه يمارس أعمالاً حزبيّة وأنشطة سياسية، والطلب إليه تسليم كل ما يخص "الأونروا" بعهدته ومنعه من دخول منشآتها.

كما تلقى نائب رئيس اتحاد العاملين في "الأونروا" مدير مخيّم البص رائف أحمد، بريدا مماثلا من المديرة العامة في لبنان دوروثي كلاوس تبلغه فيه بحسم شهر من مرتبه وتأخير علاوته شهرين بسبب مشاركته في نشاط عام منذ خمس سنوات، يدعو إلى توفير حق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان، الأمر الذي طرح تساؤلات حوله لأنه جاء بمفعول رجعي وكأنه استجابة لجهات معينة.

وتؤكد مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، أن مثل هذه القرارات العقابية تؤثر سلبا على الحفاظ والتضامن مع "الأونروا" التي تتعرض لأشرس هجمة سياسية وحصارا ماليا من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، بهدف محاولة إنهاء عملها في إطار خطة متدحرجة لتصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة، والتي بدأت أولى خطواتها وقراراتها مع "صفقة القرن" أثناء ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

وأثار القراران ضجة كبرى في الأوساط السياسية الفلسطينية والتربوية تحديدا التي كانت تعتقد أن تسوية قد جرت لطي هذه الصفحة، بعد أخذ ورد من جهة، ولقاء جمع كلاوس مع شريف من جهة أخرى، خلصت جميعها إلى اتفاق ضمني على سحب الملف من التداول إعلاميا.

ووصفت الأوساط الفلسطينية القرارين بالجائرة والمشبوهةِ والظّالمة وغير المنطقيّة وغير الأخلاقيّة، مؤكدة أن التّوافق الوطنيّ الجامِع الذي كان قد صدر عن الفصائل الفلسطينيّة والقوى الوطنيّة والإسلاميّة برفضهما وكلّ القرارات التي تمَسُّ بكرامة أبناء الشعب الفلسطيني وتستهدفُ ضربَ انتمائهم الوطنيّ وسلخهم عن هويّتهم وقضيّتهم، وتحميل لازاريني وكلاوس المسؤوليّة المُطلقة والتّبِعات المترتّبة على هذه القرارات غير المحسوبة.

وطالبتهمت الأوساط ذاتها، سحب هذه الإجراءات فورًا وإلغاء مفاعيلها وإعادة النّظر في توجُّهات الأونروا بحقّ موظّفيها الذين تُعاقبهم على خلفيّاتٍ وطنيّة وإنسانيّة؛ علما أنّ جميع الشِّرعات الدّوليّة قد أقرَّت أحقّيّة الإنسان في الانتِماء الوطنيّ والإنسانيّ وكفِلت له الحرّية في التّعبير عن هذا الانتِماء.

توازيا، رفض اتّحاد العاملين في الأونروا بقطاعاتِه الثّلاث: المعلّمون والخدمات والعمّال بشكلٍ مُطلق هذه الإجراءات الباطلة جُملةً وتفصيلًا، مستنكرا الأسلوب المُخابراتيّ الفجّ الذي تستخدمه الأونروا في توجيه التّهديدات وإطلاق الاتّهاماتِ بحقّ العاملين، معتبرا هذا السّلوك المُشين مُنافيًا للمبادئ الأخلاقيّة والمُمارسات التي تعارَفت عليها المُؤسّسات الدّوليّة. مُحملاً إدارة "الأونروا" التّداعيات المُترتِّبة على هذه الإجراءات، ومن جُملتِها النّتائج التي ستُسفِر عن موجةٍ كبيرةٍ من التّصعيد النّقابيّ والشّعبيّ. ولن نقبلَ أن نكون كبش محرقةٍ تحت رحمةِ إدارة الأونروا بذريعة حجب التّمويل وتعليق المُساعدات.

وأعلنت اللجنة الأهلية والحراك الشبابي والأهالي في مخيم البص، الإضراب المفتوح لمدارس الأونروا في المخيم لحين العدول عن القرارات الجائرة بحق الموظفَين، بينما دعت منظمة "ثابت" أبناء الشعب الفلسطيني في لبنان بمختلف مكوناته السياسية والشعبية للتعبير عن رفضهم هذه القرارات الجائرة، والبدء بسلسلة تحركات احتجاجية وتصعيدية مطالبة بإلغاء هذه القرارات الجائرة.

رسالة شريف

وفي أول تعليق على قرار توقيفه، وجه شريف رسالة إلى المعلمين والطلاب، وصف فيه وقفه عن العمل بأنه يومٌ حزينٌ وأليمٌ؛ فهو أوّل يومٍ منذ 29 عامًا من العمل الدؤوب في الوكالة الذي أكون فيه خارج أسوارِ المدرسة بقرارٍ من المُفوّض العامّ للأونروا"...

وتابع "لقد كرّستُ حياتي لتكون هذه الثّانويّة صرحًا تربويًّا ومَعلمًا وطنيًّا ومنارةً إنسانيّةً يُحتذى بها، حتّى شقّتْ طريقها سريعًا في غضونِ سنواتٍ قليلةٍ نحو العالميّة؛ فكانَ منها سفراء إلى جميع أنحاء العالم ممّن ركبوا البحر أو الجوّ وانطلقوا يحفرون أسماءَهم عميقًا في التّاريخ. لقد كنتُ أفخَر كثيرًا بأبنائي الطّلبة الذين يأخذون من مصروفهم اليوميّ رغم ضيق ذات اليد ويدفعونه عن طيب خاطر إلى صندوق التّبرّعات ليُطعموا جائعًا أو يُؤوُوا مسكينًا أو يُعيلوا فقيرًا ، فكنتُ أقول في سِـرّي: ها قد أثمرَ زرعُكَ يا أبا الأمين!.

وقال شريف "أدفع ثمن انتمائي إلى شعبي وتمسُّكي بهويّتي، وثِقوا تمامًا بأنّني لن أتزحزَح قيد أنملة عن مبادئي ولن أتراجعَ عن مواقفي، ولن أخونَ الله في طلبتي وشعبي وقضيّتي ووطني... وسأكون كما عرفتُموني دومًا كالجبال الرّاسيات التي لا تهزُّها الرّياح العواتي".

وختم "أنا أعرف تمامًا أنّكم تُشاطرونَني الرّأي بأنّ هذا قرار جائرٌ وظالمٌ ومُجحِفٌ، وأنّ إدارة الثّانويّة كانت تستحقّ درعَ التّكريم لا قرار الإيقاف".