منذ أشهر، يتم الحديث عن الخلافات الإسرائيلية الداخلية، التي تظهر وتختفي بين الحين والآخر، نتيجة التداعيات التي فرضتها عملية "طوفان الأقصى"، إلا أنها اليوم وصلت إلى مرحلة متقدمة، نتيجة سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي قاد إلى تأزيم العلاقات مع الولايات المتحدة، الداعم الإستراتيجي الدائم لتل أبيب.

هذه الخلافات ليست بالجديدة، لا بل كانت موجودة منذ ما قبل السابع من تشرين الأول الماضي، إلا أن عملية "طوفان الأقصى" رفعت من مستوى الضغوط على نتانياهو، الذي باتت تسيطر عليه الخشية على مستقبله السياسي، خصوصاً أنه وجد نفسه بين سندان أحزاب المعارضة، التي تريد التخلص منه، ومطرقة الأحزاب، اليمينية المتطرفة، التي تتسبب بالمزيد من الأزمات له.

إنطلاقاً من ذلك، يمكن فهم الدعوة التي كان قد وجّهها الرئيس الأميركي جو بايدن لإحداث تغيير حكومي في إسرائيل، من دون أن يلقى أي تجاوب من قبل نتانياهو، الذي يدرك جيداً أن أي خطوة من هذا النوع ستعني سقوط الإئتلاف الحاكم الذي يتزعمه، ما يعطي منافسيه، خصوصاً في مجلس الحرب، المزيد من أوراق القوة للتحكم به.

في هذا السياق، تنطلق مصادر متابعة من إستقالة رئيس حزب "أمل جديد" جدعون ساعر من حكومة الطوارئ، مساء الإثنين، للتطرق إلى الواقع الحالي في الداخل الإسرائيلي، حيث تلفت إلى أن هذه الإستقالة، التي جاءت بعد رفض طلب ساعر الإنضمام إلى مجلس الحرب، كانت بمثابة الخطوة التي أراد من خلالها نتانياهو إرضاء بيني غانتس، نظراً إلى أن الأخير هو الذي كان يرفض هذا الإنضمام، خصوصاً أن ساعر كان قد بادر إلى الإنشقاق عنه قبل أيام.

على الرغم من هذه الهدية، فإن غانتس كان أول المبادرين إلى إنتقاد قرار نتانياهو إلغاء زيارة كانت مقررة لوفد إسرائيلي رفيع إلى واشنطن، لبحث العملية العسكرية في رفح جنوب غزة، نتيجة عدم مبادرة الولايات المتحدة إلى إستخدام حقّ النقض "الفيتو" لمنع صدور القرار الأخير عن مجلس الأمن الدولي، معتبراً أن على رئيس الوزراء التوجه بنفسه إلى الولايات المتحدة، لإجراء مباحثات مباشرة مع أكبر حليف إستراتيجي لإسرائيل، وعقد حوار مباشر مع بايدن وكبار المسؤولين في الإدارة الأميركية.

في هذا الإطار، تذكّر المصادر نفسها بأنّ واشنطن كانت قد سعت إلى اللعب على التناقضات الإسرائيليّة، من خلال تنظيم زيارة رسمية لغانتس، في الفترة الماضية، أثارت إمتعاض رئيس الوزراء الإسرائيلي، لكنها توضح أن ذلك كان بهدف زيادة الضغوط على نتانياهو، الذي كان قد ذهب، في أكثر من مناسبة، إلى تجاهل المطالب الأميركية، سواء بالنسبة إلى كيفية إدارة الحرب في غزّة أو بالنسبة إلى ما تطرحه من سيناريوهات لمرحلة ما بعد إنتهاء الحرب.

في الوقت الراهن، لا يبدو أنّ هناك في الداخل الإسرائيلي من هو في وارد التراجع، بالنسبة إلى قرار الحرب في غزة، حتى غانتس نفسه، خلال الإنتقادات التي وجهها إلى نتانياهو، أشار إلى أن "لإسرائيل التزام أخلاقي بمواصلة القتال، حتى إعادة "المختطفين" وإزالة التهديد الذي تمثله حركة حماس، وهذا ما سنفعله".

وتلفت المصادر المتابعة إلى أن تداعيات الإختلاف في وجهات النظر بين إدارة بايدن وحكومة نتانياهو إنتقلت إلى الداخل الإسرائيلي، لكن من دون أن يعني ذلك، على الأقل في المدى القريب، تطور الأمور أكثر، بالرغم من أن الإنتقادات التي توجه إلى رئيس الحكومة الاسرائيلي لم تعد تقتصر على الشخصيات الديمقراطية، بل وصلت إلى الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي حذر من أن إسرائيل تفقد الكثير من الدعم الدولي، ودعاها إلى إنهاء الحرب والمضي قدماً في عملية السلام.

هنا، ترى المصادر نفسها أن المهم إنتظار كيفية تعامل كل من الجانبين الأميركي والإسرائيلي مع التصعيد الأخير، مع التشديد على أن واشنطن لن تكون في وارد التخلي عن تل أبيب أو السماح بهزيمتها على المستوى الإستراتيجي، حيث تلفت إلى أن إستمرار نتانياهو في تعنته قد يدفع الإدارة الأميركية إلى رفع مستوى ضغوطها، بينما توضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ليس منعدم الخيارات، حيث يستطيع أن يذهب إلى تعميق تحالفه مع الأحزاب اليمينية المتطرفة، ما سيكون له تداعيات أخطر.

في المحصّلة، ما ينبغي التوقّف عنده، في هذا المجال، هو أن نتانياهو كان المبادر إلى التصعيد هذه المرة، لا سيما أنه كان يعلم مسبقاً بقرار واشنطن الإمتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن، حيث أنه كان يستطيع أن يلتزم بالتفسير الأميركي لنص القرار، كي يجعله فارغ المضمون، لكن على ما يبدو هناك أهداف أخرى لهذا التوجه، ربما متعلقة بالسعي إلى نقل ورقة الضغوط إلى الملف الآخر، أي إلى بايدن نفسه.