قد تتفق في الرؤية السياسية والعقائدية مع ​حزب الله​، او تختلف معه، ولكن هذا لا ينفي ان الواقع الميداني لا يمكن نكرانه وهو انّه استطاع ان يلحق اضراراً بالاسرائيليين لم يسبقه اليها احد، ما خلا الجيوش العربية في منتصف القرن الماضي. صحيح ان الثمن في المقابل كان كبيراً، وكبيراً جداً، فالخسائر البشرية بالمئات، والمادية بملايين الدولارات والسياسية والدبلوماسية اكبر من ان تعدّ، ولكن بالنسبة الى حزب عقائدي كالحزب، كل هذه الخسائرة تعتبر مقبولة.

قام حزب الله بما لم تقم به ايران، فهو اشعل الشمال الاسرائيلي منذ يومين رداً على اغتيال عدد من قيادييه، فيما اكتفت ايران برسائل سياسية ومعنوية عبر اطلاقها مئات المسيّرات والصواريخ نحو اسرائيل من دون ان تؤدّي الى اضرار مادّية كبيرة. وبغض النظر عن الاسباب واختلافها، فإن الحزب اثبت انه قوة يجب اخذها في الاعتبار من قبل الجميع -الاصدقاء والاعداء- ولم يعد هناك من مجال لتخطّيه بأي اجراء يبحث فيه ​لبنان​يًّا واقليميًّا.

ولكن، هذه القوة المفرطة للحزب، هل هي نعمة ام نقمة على لبنان واللبنانيين؟ الخلاف الكبير يدور حول هذه النقطة تحديداً، ف​القوة العسكرية​ له فرضت في المقابل قوّة سياسية قد تكون بحجم ترسانته من الاسلحة، وما يعزّز هذه القوة ايضاً ​الدعم الشعبي​ الذي يتمتع به في الشارع الشيعي، ما يجعل الحديث عن "القضاء" عليه مجرد كلام غير قابل للتنفيذ. وهو يعلم هذه المعادلة تماماً، ويلعب اوراقه فيها بِحِرفيّة كبيرة، ويمسك بزمام الاور في البلاد، من دون التهديد بسلاحه الذي يعلم الجميع انه موجود، وانه عندما تصل الامور الى حد الخطر لن يتردد في استخدامه، ايّ ان السلاح يعتبر "الخرطوشة الاخيرة" لاستعماله في الداخل.

لذلك، يعتبر السلاح والقوة التي يؤمّنها الحزب، بمثابة نقمة للبنانيين الذين اعتادوا مرغمين، على انّ تخطي الحزب ليس مطروحاً في ايّ قضية، كبيرة كانت ام صغيرة، وانه بات باعتراف الداخل والخارج ركناً اساسياً يجب الاستماع اليه. وبالتالي، فإن سياسة مواجهته لن تأتي بثمار، انما ليس المطلوب ايضاً الاستسلام له، بل محاولة التوصل الى تسويات وتوافق مع قيادته على مجمل الامور السياسية والاقتصادية والماليّة والمعيشية التي تدخل في صلب الحياة اليوميّة للبنانيين.

من هنا، فإنّ القول بأنّ الحزب غير معني بما شهدته وتشهده الساحة اللبنانية من امور على هذه المستويات التي تم ذكرها، فهو مبالغ فيه ومحاولة للايحاء بأن اهتمامه محصور فقط بالامور العسكرية وتحرير الاراضي اللبنانية المحتلة. غير ان ​التركيبة اللبنانية​ "بلعت" حزب الله وقوته الكبيرة، لانه مضطر على الحفاظ على هذه التركيبة التي تؤمّن له "راحة البال" الداخلية، لعلمه ان الاصوات المعارضة التي تصدح بين الفينة والاخرى لن تؤثر على الحقيقة السائدة والستاتيكو الجديد الذي نجح في الحفاظ عليه منذ العام 2005.

لذلك، وفي حين يعتبر البعض ان قوة الحزب العسكرية هي نعمة لانها باتت بمثابة ردع للاسرائيليين (مع الاخذ في الاعتبار تفوقهم الجوي وقدرتهم على التدمير)، يرى البعض الآخر انها نقمة على اللبنانيين لان مجرد وجودها، يعطيه افضلية كبيرة على غيره من اللاعبين على الساحة المحلية، لان اللعب في التركيبة اللبنانية دونه عقبات لا يمكن حتى للحزب مواجهتها، ولو انه يتمتع بشعبية مهمة، لانها والقوة السياسية، لا تستطيعان ترجمة الافكار والقرارات على الارض، وهو ما حصل مع قوى اخرى لدى مختلف الطوائف والمذاهب.

لا ينفع الاختباء خلف الاصبع، ويجب التعاطي مع الحزب على قدر ما هو عليه واقعياً، فلا الارتماء في احضانه ينفع، ولا الايحاء بالقدرة على التغلب عليه بالقوة قابل للتصديق، وحده العمل على التكيّف معه واللعب على اساس التركيبة اللبنانية التي لا تزال المكان الانسب لتحقيق بعض التعادلات.