أشار رئيس ​المجلس الاقتصادي​ والاجتماعي والبيئي شارل عربيد، خلال لقاء حواري تشاركي دعا إليه مع ​حاكم مصرف لبنان​ كريم سعيد، إلى أنّ "في سياق هذه اللحظة المصيرية التي يعيشها لبنان، نأمل أن نكون أمام انتقال بين مرحلتين: الأولى مشوبة بعدم الاستقرار والانحدار الدراماتيكي في مؤشرات صحة الدولة، وهي المرحلة التي انطلقت مع الانهيار المالي والاقتصادي وتداعياته. أما الثانية، فهي ما نصبو إليه من استقرار سياسي، اقتصادي ومالي، تعملون - ومعكم الطاقات الوطنية المخلصة - على تحقيقه بجدية والتزام".

ولفت إلى أنّه "بات واضحا، أن السياسات النقدية والمالية لم تعد مجرد أدوات تقنية لضبط التضخم أو تحفيز النمو، بل أصبحت الرافعة الأساسية لتوجيه الاقتصاد نحو خيارات أكثر عدالة واستدامة. فهي تشكل الإطار الذي تبنى عليه إمكانات ال​سياسة​ الاقتصادية الكلية، وتمثل في الوقت ذاته ركيزة لسياسة اجتماعية فاعلة، تحمي الفئات الهشة وتعيد توزيع الثروة بعدالة".

وأوضح عربيد أنّ "المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يتعامل مع هذه السياسات كقضية وطنية تتجاوز النطاق التقني للخبراء، لتطال صميم اهتمامه كمؤسسة جامعة تعبر عن مختلف المكونات الاقتصادية والاجتماعية"، مؤكّدًا أن "المجلس بتعدديته القطاعية، يرى في السياسات النقدية والمالية أعمدة لتماسك المجتمع وكرامة اقتصادية، لذلك يوليها أولوية في مشاوراته وتوصياته ومساهماته في رسم السياسات العامة، إيمانا منه بأن نجاح هذه السياسات هو المدخل الأول لاستعادة العقد الاجتماعي وبناء الثقة بين الدولة ومواطنيها".

وشدّد على "أنّنا نؤمن بأن السياسة النقدية لا تنفصل عن الواقع الاجتماعي، وأن كل قرار في السياسة المالية يجب أن يقاس بوقعه على الصحة والتعليم والعمل والعدالة، لا فقط بعجز الموازنة. ومن هنا، يواصل المجلس نضاله الفكري وحواره المؤسساتي من أجل بناء سياسات لا تحل الأزمات فحسب، بل تصنع التوازن وتفتح نوافذ الأمل".

كما تطرق الى قضية الودائع، مركّزًا على أنّ "قضية الودائع تشكّل التعبير الأوضح عن الانكسار العميق في صورة السياسة العامة والدور الحامي للدولة، فهي ليست أرقاما جامدة، بل تعب أعمار وثقة مهدورة واستعادتها في إطار خطة عادلة وواضحة يجب أن تكون أولوية وطنية لا بند ثانويا. فلا تعاف ممكنا من دون إصلاح حقيقي للقطاع المصرفي يعيد العلاقة بين المصارف والمودعين إلى أساسها الأخلاقي والقانوني، ويضع حدا لمنطق الإفلات من المحاسبة".

وأشار عربيد إلى أن "اللحظة الراهنة لحظة مفصلية في التاريخ المالي اللبناني، تتقاطع فيها ضرورات الإصلاح البنيوي مع استحقاقات استعادة الثقة، ما يفرض مراجعة جذرية للمقاربات المعتمدة"، متسائلًا: "هل هناك نية لدى السلطة النقدية، بالتعاون مع القطاع المصرفي، لإجراء مراجعة منهجية لميزانيات المصارف وإزالة مفاعيل الهندسات المالية السابقة؟ وهل نملك تصورا أوليا يبين الأثر المحتمل لهذه المراجعة على النظام المصرفي ككل؟".

وشدد على "ضرورة التفكير في دور الدولة في هذه المعادلة"، سائلا: "هل يفترض أن يلعب المال العام دورا مشروطا وهادفا لتأمين توازن مستقر في القطاع المصرفي، عبر مساهمات موقتة ومراقبة في رؤوس أموال المصارف الناتجة عن الاندماج أو إعادة الهيكلة، في إطار مؤسسي شفاف كإنشاء صندوق وطني للاستثمار في الاستقرار – ​Public Equity Fund​ for Stabilization – يمنع تضارب المصالح بين المصرف المركزي والمصارف؟".

وفي ما يخص المساءلة، أكد عربيد "لا يجوز أن نغفل أهمية التحقيق القضائي وربما الجنائي في جذور الأزمة المصرفية، لا بدافع الانتقام، بل سعيا إلى بناء الثقة من خلال الحقيقة والمحاسبة".

ووجه عربيد حديثه إلى سعيد، قائلًا: "لقد استقبل تعيينكم بكثير من الأمل، خصوصا بعد إعلانكم بيان التفويض – Mandate Statement – الذي افتقدناه طويلا. لكن يبقى السؤال الأهم: هل ستكون المصارف شريكا مسؤولا وشجاعا في بناء نظام مصرفيٍ جديد، يقوم على الشفافية والتوازن والمسؤولية الاجتماعية؟".

واعتبر أنها "لحظة اختبار أخلاقي للدولة ومؤسساتها، والثقة تبنى لا تمنح. ونحن معكم، يوما بيوم، عند كل استحقاق، لنكمل المسار نحو النهوض، بالكفاءة والنزاهة، من الانحدار إلى النمو كما يليق بلبنان".