لم تمر 24 ساعة على تهديد رؤساء الحكومات السابقين مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني باتخاذ إجراءات ضده حتى غسل الرئيسان سليم الحص وعمر كرامي ايديهما من تفسيرات البيان. أعلن الحص امس انه يستغرب «اللغط الحاصل حول دار الفتوى والمجلس الشرعي ومقام المفتي»، مؤكدا «احترام زمن ولاية المفتي وإجراء الانتخابات المزمع إجراؤها في 14 نيسان الجاري». الحص يرفض تقصير ولاية المفتي او عزله من منصبه. أوساط الرئيس عمر كرامي تحدّثت باللهجة نفسها، إذ أوضحت مصادره أنه حريص «على موقع دار الفتوى ومفتي الجمهورية، لأنه يخشى وقوع انقسام داخل الطائفة السّنية». وأشارت المصادر إلى أنه «يؤيد في الوقت نفسه تطبيق القوانين وإجراء الإصلاحات الضرورية في دار الفتوى»، كاشفة أنه «لا يوجد إجماع بين رؤساء الحكومات السابقين والرئيس الحالي بشأن دار الفتوى والمفتي قباني، وأن كرامي لا يؤيد إقالة المفتي من منصبه».

هكذا إذاً عادت معركة المفتي وتيار المستقبل إلى نقطة صفر، مع فارق أساسي وهو انضمام الرئيس نجيب ميقاتي إلى الرئيس الأسبق للحكومة فؤاد السنيورة. ومن المنتظر أن تستعر هذه المعركة، إلا إذا نجح المسعى الذي يقوم به مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو وعدد من رجال الدين. وزار الجوزو أمس رئيس الحكومة لهذا الهدف. وبرز أمس اعتراض عدد كبير من رجال الدين، وخاصة البيارتة منهم، على «التعرض لمقام المفتي». ووصلت أصداء هذا الاعتراض إلى الرئيس نجيب ميقاتي ورؤساء الحكومات السابقين. ولفتت مصادر سياسية متابعة لقضية دار الفتوى إلى أن هذا الأمر هو ما دفع على ما يبدو الرئيسين سليم الحص وعمر كرامي إلى الانسحاب من تفسيرات البيان، فضلاً عن تنبههما إلى أن الرئيس فؤاد السنيورة يريد استثمار البيان لتصفية حساباته مع المفتي.

وتلفت مصادر الرئيسين كرامي والحص إلى كون البيان الذي صدر أول من أمس عن اجتماع السرايا الحكومية يتحدّث عن إجراءات بحق المفتي، لا عن «عزله».

لكن الرئيس ميقاتي لا يزال مستمراً، إلى جانب السنيورة، في المعركة ضد قباني. ولا يزال رئيس الحكومة مصراً على ما ورد في نص البيان الذي صدر عن السرايا أول من أمس، لناحية الطلب من المفتي الدعوة إلى عقد جلسة للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، برئاسته، ليتقرر فيها موعد الانتخابات. لكن مصادر ميقاتي تشير إلى صعوبة عزل المفتي، بعد موقف الرئيسين الحص وكرامي أمس، وبعد الاستياء الكبير الذي ساد اوساط رجال الدين من البيان. وتؤكد مصادر ميقاتي في الوقت عينه ان رئيس الحكومة ماضٍ في المعركة، من دون ان يقدّم أي تفسير واضح للأسباب التي دفعته لاتخاذ هذا الموقف المتشدد من قباني. ولفت مقربون من ميقاتي إلى أنه «قد يوجه دعوة للهيئة الناخبة وللمجلس الشرعي إلى الاجتماع»، في إطار الضغط على المفتي. وماذا إذا لم يتجاوب قباني؟ تجيب المصادر ذاتها: «يمكن استخدام الملف المالي (ملف التحقيق بقضايا فساد في دار الفتوى) ضد المفتي».

وقال ميقاتي أمس لمجلس نقابة المحررين: «يشهد الله أنني قد سعيت بكل جهدي لرأب الصدع ولعدم وصول الامور الى ما وصلت اليه لأني حريص على وحدة المؤسسة الدينية التي يفترض أن تكون بيتا لكل أبنائها، وقد زرت سماحة المفتي مرتين وتمنيت عليه رعاية الحل الذي يجمع وحدة الطائفة ولكن هذا الأمر للاسف لم يحصل».

في المقابل، يقول مقربون من المفتي إنه لا يحق لرئيس الحكومة دعوة اعضاء المجلس الشرعي إلى الاجتماع، كما ان الملف المالي الذي يهددون به هو بيد رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة «الذي تلاعب به». وتؤكد مصادر المفتي أنه لن يدعو المجلس الشرعي إلى الانعقاد، «لأن هذا المجلس الذي مدد فيه أنصار تيار المستقبل لنفسهم فيه، غير شرعي».

ويرى قباني بحسب مصادره أن المعركة الحالية ليست معركته، «بل هي معركة كل مفتٍ سيتسلم هذا المنصب مستقبلاً، ودفاعاً عن الموقع السّني الديني الأول في لبنان». وفي حساباته أن «خسارته هذه المعركة، ستعني انه يمكن لأي كان اقصاء اي مفت من منصبه في حال اختلف سياسياً معه. لذلك اتخذ قراره أن يواجه ما يجري بشراسة كي لا تسجل سابقة في تاريخ الجمهورية: عزل مفت بسبب اختلاف في وجهات النظر».

استخدم قباني أمس طلقته الاولى. رفع امام مجلس شورى الدولة دعوى ضد «مجهول». لكن المجهول الذي رفعت الدعوى ضده معلوم، وهو «الدولة اللبنانية (رئاسة مجلس الوزراء) ممثلة برئيس هيئة القضايا في وزارة العدل والمجلس الشرعي الاسلامي الأعلى». يطلب نص الدعوى ابطال القرار الصادر عن «مغتصبي سلطة المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى بتاريخ 8/12/2012 تحت رقم 46/2012 والمنشور في الجريدة الرسمية عدد 9 تاريخ 28/2/2012». وتضمنت الدعوى (النص الكامل) التي قدمها وكيل المفتي، المحامي فايز الايعالي، اسباب ابطال تمديد اعضاء المجلس المناصرين لتيار المستقبل لانفسهم ونشر القرار في الجريدة الرسمية. وتفنّد ما تراه جرماً: اغتصاب سلطة، ومخالفة للقانون ومبدأ دستورية دورية الانتخاب.

وكان انصار تيار المستقبل في المجلس الشرعي قد مددوا ولاية المجلس، في جلسة لم يترأسها مفتي الجمهورية، بل ترأسها نائب رئيس المجلس الوزير السابق عمر مسقاوي.

وتشير مصادر قباني إلى أن مسألة تقديم الدعوى كانت مدروسة وليست وليدة اللحظة، إذ ان قراءة نصها تظهر الوقت الذي استغرق اعدادها. لم تقدم دار الإفتاء دعوى واحدة فقط، بل دعويين: واحدة امام شورى الدولة واخرى امام المحاكم الجزائية لمحاسبة المسؤولين عن تزوير التواقيع التي استحصل عليها نائب رئيس المجلس عمر مسقاوي للتمديد للمجلس الحالي، والتي لم يكن بعض اصحابها حاضراً.