يُعتبر الشهران المقبلان مفصلييْن بحسب قراءة وقائع المشهد السوري الدامي، بعد عامين على اندلاع الحرب ضد سورية وشعبها بكل حضارتها الضاربة في أعماق التاريخ والجغرافيا.

مرّ عامان على المؤامرة الكبرى ضدّ هذا البلد العظيم؛ بإنسانه وتراثه وقيمه وثقافته وتنوعه الفكري والديني والعرقي والمذهبي والطائفي، الذي تناغم وانسجم مع الأرض والمياه والهواء، فأعطى ثماره الطيبة في كل الميادين في أصقاع الأرض، إلى أن جاء وحش المال الحرام من الصحراء، وفكْر الظلام من الأقبية، وعقل الصهيونية الخبيث، فاجتمع هؤلاء الشياطين من أجل تدمير هذا البلد الجميل.

إذاً، الشهران المقبلان هامان جداً على صعيد ترتيب وضع المنطقة ومخاضها، ربما يكون موجعاً، لأن ما يجري لم يكن بحسبان أحد، حتى الذين خططوا ونفذوا كانوا يعتقدون الأمر مجرد أسابيع أو أشهر قليلة وتصبح سورية في قبضتهم، ويُزاح الأسد من السلطة؛ في تكرار لسيناريوهات تونس وليبيا ومصر.. لكن لم يكن لهم ما أرادوا، لهذا يبحثون ليلاً ونهاراً عن وسيلة للتخلص من هذه العقبة الكأداء أمام مشروعهم القاتل، ومن الطبيعي أن نرى استعار جذوة الحرب والتفاوض بلغة النار لتحسين الشروط بهدف نيل المكاسب في المستقبل، وتدفع الدول الراعية للإرهاب كل وسائلها الإعلامية والعسكرية والسياسية لتحقيق هذا الهدف، غير أن الأمور ليست بالسهولة التي يعتقدونها، فالمعارضة المشتّتة تمتحن نفسها في اسطنبول بضغط قطري - تركي لإخراج أي مسمّى إلى حيّز الفضاء الإعلامي؛ من حكومة منفى وغيرها، رغم علم الصانعين الأساسيين بأن أي حكومة من هذا القبيل لن يكون بمقدورها فعل شيء سوى التنقّل بين العواصم والفنادق وإصدار البيانات، وبالتالي فهي عملية محكومة بالفشل مسبقاً، وقد ظهرت أولى ثمارها بالخلافات العلنية بعد الاجتماع مباشرة.

في الشهرين المقبليْن من المنتظَر أن تتبلور مآل العلاقة الروسية - الأميركية بشأن التسوية في سورية، بعدما دفع الأميركي بالفرنسي والبريطاني إلى سوق المزايدة الفارغة، في محاولة ربما لقطع طريق التفاوض الفعلي بين العملاقين.

إزاء هذا التعقيد السياسي، يستعد طرفا المواجهة الميدانية لجولة جديدة من المعارك العسكرية على جبهات عدة، وشفير التصعيد الميداني قد يطال لبنان، بعد التحذير الرسمي السوري عبر الطرق الدبلوماسية، وبعد الكلام الواضح عبر طرق أخرى، حيث استخدمت دمشق سياسة العين الحمراء، بعدما تجاوز البعض الخطوط المحرَّمة على جبهة الشمال اللبناني، من دون أن يردعهم أحد، ما وضع الدولة بكامل أجهزتها في حالة استنفار لمنع وصول النيران إلى التراب اللبناني، وبناءً على ما جرى مؤخراً من قصف جوي لأحد مواقع الإرهابيين قرب الحدود، لا بد من طرح السؤال الأهم: هل ستبقى النار ضمن الجغرافية السورية، أم سيطال لهيبها الإطار الإقليمي هذه المرة؟

مصادر معنيّة متابعة في دولة إقليمية حذّرت من رفع مستويات التسلّح والانغماس في المواجهة المسلحة، ورأت أن الطرح الفرنسي البريطاني لتسليح المعارضة هو خطّة أميركية لإلقاء هذين البلدين في أتون النيران السورية، وهو محاولة ربما لاستعادة أمجاد المستعمرات الفرنسية والبريطانية، والاستفادة من "لحسة" أصبع، إذا ما حصلت الشركات الكبرى على حصص اقتصادية في النفط وإعادة الإعمار وغيرها بعد انتهاء الحرب، وهو في الحقيقة استخدام مهين جداً لدولتين وضعتا نفسيهما في مزاد الاستهلاك العالمي.

الكل في حالة من الترقب والحذر، والموقف الرسمي السوري ما زال صلباً وقوياً، وثمة خبراء يؤكدون أن الجيش العربي السوري في وضعية قتالية مهمة للغاية، مستفيداً من تجربة العاميْن الفائتين، وأن القيادة السياسية تقدّر حجم الدعم الهائل الذي تقدمه موسكو وبكين وطهران وغيرها، ومن المتوقع في الأيام المقبلة أن يلمس المتابعون أرجحية للنظام على الأرض، بدأت ملامحها تظهر في الميدان العسكري، وبكلمة مختصرة: ممنوع على سورية أن تنكسر.. مهما اشتدت العواصف.