أعاد مجلس شورى الدولة المعركة الدائرة بين أنصار تيار المستقبل في المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى ومفتي الجمهورية محمد رشيد قباني الى النقطة الصفر. فقد أصدر المجلس امس قراراً يقضي بوقف تنفيذ الدعوة الى الانتخابات التي حددها المفتي في 14 نيسان المقبل. سرعة صدور القرار فاجأت وكيل المفتي المحامي فايز الايعالي. فقد كان الاخير غارقاً بين أكوام الورق لإعداد رده على مطالعة مجلس الوزراء التي وصلته، قبل ساعات فقط من صدوره.

أكدت سرعة إعلان القرار أن «الطبخة كانت جاهزة سلفاً»، كما يقول مقربون من قباني. يضيف هؤلاء: «صدر القرار ولم يكن المحامي قد أنهى دراسة المطالعة بعد، ما يعني ان (الأمين العام لمجلس الوزراء) سهيل البوجي قد ضغط على مجلس الشورى لاصدار القرار». إذاً، وللمرة الثانية، أبطل مجلس الشورى دعوة المفتي، ليتطابق موقفه مع تمنيات اعضاء المجلس الممددة ولايتهم الرافضين لاجراء انتخابات المجلس الشرعي.

بالنسبة إلى انصار دار الفتوى والمفتي، فإن «القرار لا يقدم ولا يؤخر ولا يلزم سماحته بشيء، لأن رأي الشورى استشاري فقط». ويقول احد محامي دار الفتوى ان «القرار غير قانوني، لان مجلس الشورى لا يملك سلطة على الدار ولا صلاحية النظر في الطعون المتعلقة بالمجلس الشرعي». وتلفت مصادر الدار الى ان مجلس الشورى اصدر سابقاً قرارات في قضايا عدة، «ومعظمها لم يؤخذ في الاعتبار، ومن الخطأ ان يتدخل المجلس في مبدأ دورية الانتخاب».

وبما اننا في عصر السرعة، جاء رد دار الفتوى بالسرعة ذاتها، اذ اعلنت امس المديرية العامة للأوقاف الاسلامية انتهاء المهلة القانونية لتقديم طلبات الترشيح لانتخابات المجلس الشرعي. وأكدت إجراءها في الموعد الذي حدده المفتي في 14 نيسان. ورأت المديرية ان المشاركة في انتخاب المجلس واجب «تحقيقا للمصلحة الإسلامية العليا». وأوضحت مصادر في دار الفتوى ان عدد المرشحين للانتخابات وصل الى 139 شخصاً.

وتكمن الخشية، في حال اجراء الانتخابات في موعدها ورفض انصار المستقبل الاعتراف بالمجلس الجديد، من انقسام المجلس الشرعي الى مجلسين. وتقول مصادر إنه اذا كانت قرارات مجلس الشورى غير ملزمة للمفتي قباني، الا انها قد تجبر رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي على الالتزام بها. فالأخير، وبرغم استقالته من رئاسة الحكومة، لا يزال طرفاً في المعركة، ما يعني ان رئاسة الحكومة قد لا تنشر نتائج انتخابات المجلس في الجريدة الرسمية بعد حصولها، وخصوصاً بعد الاشكال الذي وقع بين رئيس الحكومة والمفتي قبل يومين. إذ اتصل ميقاتي بأحد علماء الدين، الذي مرر هاتفه للمفتي قباني. بعد السلام والكلام طلب رئيس الحكومة المستقيل من المفتي الغاء الدعوة الى الانتخابات «لأنني مش رح امشي فيها»، الا ان المفتي رفض الطلب قائلاً «الدعوة للانتخابات اصبحت خلف ظهرنا، واريد ان اقول لك كلمتين: انا زعلان منك، ولا اريد الكلام معك بعد الان»، معطياً الهاتف الى صاحبه مجدداً.

وكان مجلس شورى الدولة قد أصدر، مطلع السنة الجارية، قراراً بوقف تنفيذ الانتخابات التي كانت مقررة بداية كانون الثاني. يومها، استجاب المفتي للقرار، والغى الدعوى للانتخابات من اساسها. وفي مطلع اذار الجاري، وجه المفتي دعوة جديدة لاجراء انتخابات في 14 نيسان المقبل. هذه المرة لم يتحد مفتي الجمهورية انصار المستقبل في المجلس فقط، بل تحدى ايضاً رؤساء الحكومات السابقين الذين طالبوه بعقد جلسة للمجلس الشرعي قبل دعوته للانتخابات، لكن المفتي رفض ذلك لانه لا يعترف بـ «عملية التزوير» التي قام بها انصار المستقبل في المجلس عندما مددوا لانفسهم سنة اضافية.

حالياً الامور مختلفة، وليست كالسابق كما يقول مقربون من المفتي. بالنسبة اليهم «هناك حرب اليوم على مركز الافتاء ودوره وصلاحياته، ومن يقود هذه المعركة هم رؤساء الحكومة». وتضيف المصادر: «للاسف ينسى رؤساء الحكومات ان لا سلطة لهم على المجلس الشرعي او دار الافتاء، وأن سلطتهم مقتصرة على القضاء الشرعي فقط، وبحسب القانون لا تملك رئاسة مجلس الوزراء صلاحية التدخل في هذا الموضوع، كما لا يملك مجلس الشورى حق النظر في الاصول والطعون لانها منظمة بحسب المرسوم الرقم 18». ينهي قانونيّ في مجلس دار الفتوى النقاش.