هي "انتفاضة" أعلنها رؤساء الحكومات السابقون، بغياب رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص، على مفتي الجمهورية الشيخ ​محمد رشيد قباني​ على خلفية انتخابات المجلس الشرعي..

هي "انتفاضة" لا تبدو "بريئة" ولا "عفوية" ولكنها تحمل الكثير من التأويلات والتفسيرات في هذه المرحلة، خصوصا أنّ رؤساء الحكومات السابقين، وفي مقدّمهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، اختاروا نهج "التحدّي" ردا على ما اعتبروه "تحديا" من المفتي قباني، الذي أصرّ على إنجاز الانتخابات، رغم كلّ "مناشداتهم"..

وسط ذلك، كان رئيس الحكومة المكلّف ​تمام سلام​، الذي كشفت مصادر "النشرة" عن تلقيه اتصال تهنئة من المفتي قباني، يواصل "تدوير الزوايا" في ما خصّ تشكيلته الحكومية بعد ما تراجع عن فكرة "الأمر الواقع"، ليطرح "المداورة في كلّ الطوائف والحقائب"، فكرة بدا سريعا أنها لن تجد القبول المطلوب لدى الكثير من الأفرقاء..

انتخابات الشرعي "باطلة بطلانا مطلقا"!

قال رؤساء الحكومات السابقون كلمتهم: ما قام به مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، في إشارة إلى انتخابات المجلس الشرعي الأعلى، مخالف للأصول والقواعد كافة، وكذلك للقرارات القضائية الصادرة عن مجلس شورى الدولة والقاضية بوقف تنفيذ الدعوة للانتخاب. وانطلاقا من ذلك، فإنهم اعتبروا أنّ "كل ما قد ينتج عن هذا الاجراء المخالف للقانون باطل بطلاناً مطلقاً".

ولأنه "باطل بطلانا مطلقا" على حدّ توصيفهم، قرّر رؤساء الحكومات السابقون الردّ على "التحدّي" بـ"التحدّي"، فكانت "التعليمات" التي أصدرها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بعدم نشر أي قرار في الجريدة الرسمية "يشكل خروجاً على منطق الدولة وسيادة القانون واحترام سلطة القضاء"، مع إبلاغ هذا الأمر إلى المفتي شخصيا، علما أنّ رؤساء الحكومات السابقين قرّروا ابقاء اجتماعاتهم مفتوحة لمتابعة البحث في ما أسموه "الاجراءات والتدابير الواجب اتخاذها للتصدي لهذه الممارسات"، وذلك "في سبيل ان يبقى مقام دار الافتاء ومؤسساته منزهاً عن كل خلل أو خروج على الانتظام العام واحترام القانون والأحكام القضائية ومساس بوحدة الطائفة ومصالحها العليا".

وفي وقت يُنتظر أن يثير موقف رؤساء الحكومات السابقين عاصفة جديدة حول دار الفتوى، مع توقع "رد ناري" من المفتي قباني، برز ما قاله المدير العام للأوقاف الاسلامية الشيخ هشام خليفة من أنّ "على رؤساء الحكومات السابقين الأخذ في الاعتبار أنالأصل هو مفتي الجمهورية، لأنه المرجعية وحيث يكون مفتي الجمهورية يكون المجلس الشرعي".

سلام مع "المداورة في كلّ الحقائب"

سياسيا، بقي ملفا قانون الانتخاب والتشكيلة الحكومية العتيدة محور المواقف والاهتمامات خلال الساعات الماضية، حيث رُصِدت مواقف بارزة لرئيس الحكومة المكلّف تمام سلام طرح فيها مبدأ "المداورة في كلّ الحقائب وبين كلّ الطوائف"، مع تأكيده عدم تمسّكه بمنصبه، ونفيه للتشكيلات الحكومية المتداولة في الاعلام. وفي وقت لا يزال شكل الحكومة خاضعا للتجاذب السياسي، برز كلام لرئيس المجلس النيابي نبيه بري أشار فيه إلى أنهلا يعتقد ان هناك حكومة اسمها حكومة "تكنوقراط""عدا عن ان مثل هذه الحكومة لا تستطيع ان تؤدي الدور المطلوب في مواجهة مثل هذا التراكم من المشاكل وهذا الوضع الامني الدقيق الذي نعيشه"، وشدّد على أنّ "المصلحة الوطنية"، وهو العنوان الذي كان سلام قد اختاره شعارا لحكومته المرتقبة، "تقضي اليوم في هذه الظروف الدقيقة والصعبة مشاركة الجميع في الحكومة، وفق معادلة جامعة تعكسها هذه الحكومة".

أما في ما يتعلّق بقانون الانتخاب، فقد شدّد بري خلال لقاء الأربعاء النيابي على ضرورة "الحسم"، واصفا جلسة الخامس عشر من أيار بـ"الحاسمة" و"المفصلية" على هذا الصعيد، علما أنه جدّد القول أنه "شجع ويشجع لجنة التواصل النيابية على تكثيف جهودها واجتماعاتها للتوصل الى اتفاق حول صيغة القانون المختلط في اقرب فرصة ممكنة قبل موعد الجلسة العامة التي سيدعو اليها في منتصف ايار المقبل، والتي ستكون نتائجها حاسمة بالنسبة لهذا الموضوع".

وعلى الصعيد السياسي أيضا، برزت الزيارة التي قام بها السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي إلى وزير الخارجية عدنان منصور، حيث حرص علىنفي تهمة "الاستدعاء" ليؤكد أنه من طلب الموعد للتشاور، كما نفى أيضا أن يكون قد تبلغ أي رسالة احتجاج "لا اليوم ولا قبل اليوم"، مشددا على أنّ سوريا هي التي تتعرض للاعتداء، لا العكس. وفي المقابل، برز أيضا كلام للسفيرة الأميركية مورا كونيللي أعلنت فيه أنّ وزير الخارجية الأميركية جون كيري سيزور لبنان قريبا، وحذرت من أن "تأجيل الانتخابات يرسل إشارة سلبية تتخطى الحدود اللبنانية، وقد تؤثر على الاستثمار في لبنان".

كلمة أخيرة..

جديد رئيس الحكومة المكلف تمام سلام مبدأ "المداورة في كل الحقائب"، مبدأ قد يبدو "لامعا" للوهلة الأولى، لكنه هو الآخر سيصطدم بـ"الواقع اللبناني" والاصطفافات السياسية..

فإذا كانت "المداورة" مبدأ ديمقراطيا ممكنا، فإنّ العديد من الأفرقاء يعتبرون طرحه على الساحة في هذا التوقيت بالتحديد مجرّد "مناورة"، وخير دليل على ذلك، "السجال العلني" الذي حصل بين رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، على هامش ​الاستشارات النيابية​ غير الملزمة..