تخيّلوا مثلاً أن قطاع النقل في لبنان بات يشبه الولايات المتحدة الأميركية أو فرنسا أو لندن، وفي أسوأ الأحوال سوريا. تخيّلوا أن ألوان السيارات العمومية باتت موحدة، وباتت تعرفة النقل بين المناطق رهن عدّادٍ يعطي كلّ ذي حقٍ حقّه دون غبنٍ أو إستغلال.

قد يبدو حلم اللبنانيين بقطاع نقلٍ سليمٍ بعيد المنال، إذ هناك مشروع قانون في أدراج مجلس النواب منذ العام 2009 ينص على توحيد ألوان السيارات العمومية وتجهيزها بعدادات، كما بإمكان وزير الداخلية إصدار مرسوم في هذا الخصوص، كما شرح لـ"النشرة" رئيس إتحاد نقابات سائقي السيارات العمومية في لبنان ​عبد الأمير نجدة​، مشيرا إلى أن "إتحاد النقل البري طرح في مشروع خطة النقل البري التي تم الاتفاق عليها مع وزارتي الداخلية والأشغال العامة والنقل، مشروع قانون تتوحد بموجبه ألوان السيارات العمومية بعد الإعفاء الجمركي"، مشيرا إلى توحيد ألوان "تاكسي المطار"، متمنيا "إنجاز مشروع توحيد الألوان"، مشددا في المقابل على أنه "لا يعارض فكرة تجهيز السيارات بعدّادات".

وإذ أكد نجدة أن "التغييرات على السيارات تحصل على نفقة السائقين العموميين"، أوضح أن "نقابات القطاع طالبت بإعفاء جمركي للسيارات العمومية، وإعطاء السائقين مهلة سنتين لتغيير ألوان سياراتهم".

في المقابل، إتفق عدد من السائقين العموميين مع نقيبهم، حيث طالب أحدهم "بقانون سير عادل لسائقي السيارات العمومية تتوحد بموجبه ألوانها بحسب المحافظات"، في حين إعتبر آخر أن قطاع النقل في لبنان "كتير مبهدل" ولا رقابة عليه من الدولة، مشيرا في المقابل إلى أن "توحيد الألوان أمر جيد لأن هذا القطاع هو واجهة البلد بالنسبة للسياح"، داعيا إلى "إلغاء التعرفة الجمركية عن السيارات المستوردة".

حلّ أزمة السيارات العمومية أولوية

أمّا من يستخدمون السيارات العمومية أو "السرفيس" في تنقلاتهم، فقد أجمعوا في أحاديث إلى "النشرة" على "ضرورة توحيد الألوان وتجهيز السيارات بعدادات، لما يعانونه من غياب للنظافة ولمعايير السلامة، فضلا عن تحوّل السيارات العمومية مرادفا لعمليات السرقة والخطف والإحتيال بسبب تكاثر ظاهرة السيارات المزورة". وفي هذا الإطار، أكد نجدة أن "ظاهرة السيارات العمومية المزورة التي تزاحمنا على لقمة العيش ليست جديدة، وهذا الموضوع يكون على رأس أولوياتنا خلال اجتماعاتنا بالمسؤولين، خاصة وأن السيارات المزورة باتت تستخدم في عمليات السرقة والخطف". وفي هذا السياق، لفت وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل إلى أن "عمليات تزوير السيارات العمومية كانت منتشرة قبل نزوح السوريين إلى لبنان بفعل الأزمة في بلادهم وهي إزدادت مع تكاثر أعدادهم، ونحن نعالج الموضوع ونعقد عدة إجتماعات في هذا السياق ولكن الوضع الأمني لا يترك لنا المجال لمعالجتها"، مشيرا إلى أن "عملية توحيد ألوان السيارات العمومية وتجهيزها بعدادات تأتي في مرحلة ثانية، إذ يجب في هذا الوقت الإهتمام بموضوع أمني يتعلق بالتزوير وبالسيارات العمومية المزورة التي باتت ترتبط بأحداث عديدة كعمليات خطف وقتل وسرقات"، معلنا أنه "إنتهى من دفتر الشروط في ما خص تغيير لوحات السيارات في لبنان منعا للتزوير، والذي يلحظ خطّ لوحات ذكية تسمح لقوى الأمن بضبط السيارات المسروقة ومنع التزوير، واليوم بتنا بمرحلة المناقصات، حيث تتقدم شركات عالمية لتغيير اللوحات، إذ هناك لوحات تتغير دون حسيب ورقيب، لذلك ينص قانون السير الجديد على خط لوحات جديدة لا تتغير ولا تُزور".

وفي هذا الإطار، نبّه نجدة المواطنين إلى شعار النقابة الذي يتم وضعه على السيارات العمومية المنتمية إليها، والتي تؤكد شرعية عمل أصحابها. لكنّ السائقين أنفسهم، لا يرون جدوى في الموضوع، حيث أكد محمد (إسم مستعار)، خلال جولة لـ"النشرة" معه في سيارته العمومية، أن "البطاقات التي تلصق على السيارات لضبط التزوير، الغاية منها فقط ربح المال وتضييع وقت السائقين"، لافتا إلى أن "أحدا من قوى الأمن لم يوقفه يوما على حاجز لسؤاله عن أوراق النقابة"، مشيرا إلى "ظاهرة تأجير السيارات العمومية التي سادت في الآونة الأخيرة، والتي لا تراعي معايير العمل في هذا القطاع"، معتبرا أن "نقابات قطاع النقل البري تتبع التيارات السياسية وتتراجع عن الإضرابات التي تعلن عنها في الربع ساعة الأخير"، قائلا: "عندما تتفق التقابات عندها نشارك في إضراباتها".

وإذ رأى أن "توحيد ألوان السيارات أمر جيد ويساهم في الحد من ظاهرة تزوير السيارات العمومية"، إعتبر أن "موضوع العدادات لن يكون ناجحا في لبنان نظرا لصغر مساحته وزحمة السير الخانقة على طرقاته".

حلم تحسين قطاع النقل البري

يشكك السائقون العموميون بنقاباتهم بسبب تفرعاتها العديدة، وانتماء كل نقابة إلى جهة سياسية معينة، في حين يؤكد النقيب نجدة أن "وحدة الحركة النقابية في قطاع النقل البري حلم ولكن نقابات القطاع تطرح مطالبها موحدة". وإلى حين توحد النقابات تحت عنوان إنساني وليس سياسي، وصحوة الدولة من غيبوبتها التي طالت بسبب تسارع الأحداث الأمنية، فإن تحسين قطاع النقل البري، واجهة لبنان، سيبقى حلما في فكر اللبنانيين..

تصوير تلفزيوني كريم بيضون