لم تكن زيارة وفد من كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، قبل اسبوعين الى العاصمة بيروت بهدف السياحة. حلّ هؤلاء ضيوفاً أعزاء على المقاومة اللبنانية. أمّن عناصر حزب الله حمايتهم وأماكن اقامتهم وتحركاتهم، وكانت بيروت مجرد محطة لاكمال «أبناء القسام» رحلتهم الى ايران، حيث تتدرّب الاذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية.

وعلى رغم الخلاف السياسي بين حماس وحزب الله، الا ان شيئاً لم يتغير في العلاقة العسكرية بين الطرفين، كما لم يتأثر الجسم الجهادي لكلتا المقاومتين بما يجري في سوريا. اما إيران، فلا تزال بدورها ملتزمة تدريب عناصر القسام وتسليحهم، وهو خط احمر «لن يجري تجاوزه حتى اللحظة»، بحسب مصادر في حركتي المقاومة.

أخيراً، كثر الحديث عن مشاركة عناصر من حماس في القتال الى جانب المعارضة المسلحة في سوريا. قادة حماس نفوا الموضوع كلياً، مؤكدين ان ابناءها لم يشاركوا لا من قريب ولا من بعيد بما يجري في الشام. ويقول مسؤولون فيها إنهم فضلوا «ترك العاصمة السورية كي لا نكون مع طرف ضد اخر».

لكن، على المقلب الاخر، يقول مقربون من حزب الله ومن النظام في سوريا ان معارك مدينة القصير كشفت عن وجود ما لحماس. ويقول هؤلاء ان «الأنفاق التي اكتشفت حفرت بآلات ايرانية صغيرة كان حزب الله قد سلّمها الى حماس، وقد ضبطت هذه المعدات على مشارف مخيم اليرموك». ويشرح هؤلاء ان ما «أخّر العملية العسكرية هو العبوات الناسفة التي زرعها المسلحون في كل الامكنة، من النوافذ الى اجهزة التلفزيون واباريق الشاي، اضافة الى استخدام العبوات الزئبقية (الفائقة الحساسية تجاه اي حركة)، وهذه اساليب كان المقاومون يلجأون اليها في مواجهة العدو». ويقول احد المعنيين انه جرى «تفكيك عبوات تحتوي على شرائح الكترونية اخذتها حماس من ايران وحزب الله».

وعند سؤاله عن احتمال ان يكون بعض المقاتلين الذين شاركوا في حرب افغانستان والعراق قد نقلوا خبراتهم للمعارضة المسلحة، يقول المقربون من الحزب: «بعض الانفاق التي وجدناها كانت بدائية، ولا توجد فيها فتحات تهوية لتنفيس ضغط الصواريخ التي قد تنهمر عليها. لكن هناك انفاق تصل الى عمق ستة امتار تحت الارض، وهي شبيهة بالتي نحفرها». ويضيف هؤلاء: «لنقل إن حفر الانفاق لا يحتاج الى دراسة، الا ان اسلوب التشريك (زرع العبوات المفخخة) اسلوبنا».

حماس تنفي

من جهتها، تنفي حماس هذه المعلومات. يقول مسؤول الحركة في لبنان علي بركة «جلسنا مع حزب الله وسألناهم عما يقال عن اسر عناصر من حماس في القصير، إضافة الى تفكيك عبوات كنا قد تسلمناها من المقاومة مسبقاً، وقد نفى قادة الحزب الامر كلياً». يسأل بركة: «كيف يمكننا الاحتفاظ بعبوات تسلمناها منذ 2008 ولم نرسلها الى غزة؟ هل سنتهم بحفر الانفاق في جبال افغانستان؟». يضيف: «كل الاسلحة التي نتسلّمها نرسلها مباشرة الى فلسطين. من يستطِع ادخال صواريخ فجر التي تحتاج الى شاحنات، فلن يبقي لديه عبوات صغيرة». اما الحديث عن مرافق خالد مشعل الذي انضم الى «الجيش الحر»، فيقول بركة إنه «فُصل بعد خروج المكتب السياسي من دمشق، وهو حالياً مسجون لدى جبهة النصرة في مخيم اليرموك، بسبب خلاف بينهم».

حماس الداخل مع حزب الله

تعيش حماس نقاشات ومطالعات حول الموقف من الازمة السورية ومن العلاقة مع ايران وحزب الله والدول العربية الاخرى. ويتردد بقوة صدى سجال بين الجسمين السياسي والعسكري. قادة الحركة ينفون وجود اي خلاف داخلها، مؤكدين ان ذراعها العسكرية ملتزمة بقرارات مكتبها السياسي. وهو ما اكده الناطق العسكري باسمها «ابو عبيدة» في مؤتمر صحافي عقده في غزة، لكن على الارض، هناك مؤشرات اخرى، وقد عبّر قادة في غزة عن امتعاضهم من اقامة رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل في قطر. وانقسمت الآراء داخل كتائب القسام، بين تيار مشعل ــــ هنية، وتيار قريب من القيادي محمود الزهار والقائد السابق الشهيد احمد الجعبري، يرى ان تحرير فلسطين ودعم المقاومة الفلسطينية بالسلاح يمران عبر ايران لا عبر قطر».

بحسب مصادر مقربة من الحركة، كانت الجمهورية الاسلامية الدولة الوحيدة التي دعمت حماس على نحو مباشر بالسلاح والمال، لكن طهران راقبت خروج حماس من سوريا. ووصل اليها النقاش الحاد الذي جرى بين الشهيد الجعبري وامير قطر حمد بن جاسم خلال زيارة الاخير الى غزة، وقول الجعبري له إن المقاومة خيار استراتيجي بالنسبة الى الحركة. وبعد انسحاب قائد كتائب القسام من اللقاء مع حمد واستشهاده وما قيل عن هدنة طويلة الامد بين حماس واسرائيل، يجري الحديث عن رسالة وصلت الى طهران والمقاومة في لبنان تفيد بأن «كتائب القسام» ترفض «اعتبار حزب الله حزباً شيعياً. ونحن رفاق سلاح منذ عشرين عاماً، ولا نعتبر اننا سنة وهم شيعة».

لكن في حماس من يؤكد تراجع الدعم الايراني على صعيد القدرات العسكرية، وان ايران تكثف تدريبها لكتائب ابو علي مصطفى التابعة للجبهة الشعبية، وتزيد من كمية ونوعية الاسلحة الموجهة الى الجهاد الاسلامي.

بعد معركة القصير ومشاركة حزب الله فيها، زادت حدة الانقسام المذهبي في المخيمات. تحول حزب الله عند البعض من مقاومة ضد اسرائيل الى حزب شيعي يقاتل السنة في سوريا. انتبهت حماس الى هذه الظاهرة، ووجدت نفسها ملزمة بالعمل على منع تشويه صورة الحزب، وخصوصاً في مخيم عين الحلوة. واثر احراق البعض صناديق التموين التي ارسلها الحزب الى النازحين من المخيمات الفلسطينية في سوريا، تحركت حماس لمنع تكرار الحادثة، مشيرة إلى انه مهما فعل حزب الله، فهو فصيل اسلامي لا يجوز تكفيره.