بعد إنتخابات العام 2009 النيابية، ترأس العماد ميشال عون إجتماعاً موسّعاً لكتلة "التغيير والإصلاح"، ضم آنذاك 27 نائباً، 19 منهم ينتمون مباشرة إلى "التيار الوطني الحر"، و8 منهم ينتمون إلى أحزاب وكتل حليفة كانت منضوية في حينه تحت جناحي "التغيير والإصلاح". لكن التباينات المتفاقمة إزاء كثير من المواضيع السياسية، والتي بلغت حد الإختلاف الكبير في وجهات النظر في بعض الأحيان، أدّى إلى تغيّب تصاعدي لعدد من النوّاب عن الإجتماعات برئاسة "الجنرال". وإذا كان غياب كل من النائبين سليمان فرنجيّة وطلال أرسلان هو بسبب إعتبار كل منهما نفسه من الأقطاب، وليس مجرّد رقم إضافي في كتلة "التغيير والإصلاح"، فإنّ غياب باقي نوّاب حزبيهما وآخرين أيضاً، طرح أكثر من علامة إستفهام بشأن حجم "كتلة التغيير والإصلاح" المستقبلي، وكذلك بشأن مدى متانة التحالفات السياسية المصنّفة ضمن قوى "8 آذار" بشكلها العريض.

وإضافة إلى النائب أرسلان، غاب أخيراً عضو "الحزب الديمقراطي اللبناني"، فادي الأعور، عن إجتماعات "التغيير والإصلاح"، لينفرط عقد "كتلة وحدة الجبل"، ويعود النائب ناجي غاريوس إلى "الرابية". وبالنسبة إلى عضوي حزب "الطاشناق"، أرثور نزاريان وهاغوب بقردونيان، فهما غابا بدورهما أخيراً عن إجتماعات "التكتّل"، في موقف معبّر لكتلة "نوّاب الأرمن"، ولو من دون ضجيج وصخب إعلامي. أما النائب سليمان فرنجيّة، الذي يعتبر نفسه "قطباً" أساسياً من الأقطاب السياسية على الساحتين اللبنانية والمسيحيّة، ومرشّحاً جدياً لرئاسة الجمهورية مثله مثل "الجنرال"، فهو عزّز تغيّبه عن إجتماعات "الرابية"، بعدم مشاركة باقي أعضاء كتلة "لبنان الحرّ الموحّد"، أي كل من إسطفان الدويهي وسليم كرم في هذه الإجتماعات وبعودتهما "سياسياً" إلى "بنشعي"، علماً أنّ العضو الرابع في الكتلة، أي النائب إميل رحمة، الواصل إلى المجلس النيابي برافعة "حزب الله" الجماهيريّة الكاسحة في دائرة بعلبك-الهرمل، هو حالياً في موقف المُحرَج بين "الزعيمين"، ويحاول أن يلعب دوراً توافقياً.

ويبدو أنّ علاقة العماد عون السيئة مع قيادات "14 آذار" عموماً، آخذة بالتدهور مع كثير من الشخصيّات السياسيّة ضمن قوى "8 آذار" نفسها، لأسباب كانت تشمل أساساً صراعات نفوذ وسلطة محلّية في بعض الدوائر، وتوسّعت أخيراً لتشمل النظرة السياسية إلى مواضيع عدّة، مثل التمديد لمجلس النوّاب، وتأخير تسريح قائد الجيش، وغيرهما من المواضيع الحسّاسة، إضافة إلى رفض البعض تغييب دورهم في إتخاذ القرارات، ومعارضة البعض الآخر السياسة الهجومية التي ينتهجها "الجنرال" ضد بعض الشخصيّات الرسمية والسياسية، إلخ.

وإذا كان خلاف "الجنرال" مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، مضبوطاً من قبل حليف الجانبين، أي "حزب الله"، والخلاف مع الوزير الزحلاوي السابق إلياس سكاف لا يشغل بال العماد عون كثيراً، فإنّ التباينات المتفاقمة وتلك المستجدّة مع كل من أحزاب "المردة" و"الديمقراطي اللبناني" و"الطاشناق" تطال جوهر كتلة "التغيير والإصلاح"، ككتلة عابرة للأحزاب السياسية، وعابرة للطوائف والمذاهب أيضاً، ولو بشكل محدود. وبالتالي، في حال عدم نجاح الإتصالات والوساطات القائمة على غير صعيد حالياً في رأب الصدع، وإستمرار تغيّب النوّاب الذين لا ينتمون مباشرة إلى "التيّار الوطني الحرّ"، فإنّ كتلة "التغيير والإصلاح" مرشّحة جدياً إلى التقلّص من 27 نائباً، إلى 20 نائباً، مع إمكان أن تبلغ أيضاً 19 نائباً في حال أعطى النائب رحمة الأولويّة إلى "بنشعي" وليس "الرابية"!

وهنا، قد يكون مفيداً التذكير ببيان صدر عن "الحزب الديمقراطي اللبناني" في مطلع حزيران الماضي، وتضمّن صراحة دعوة العماد عون إلى أن " يستغني عن التعاطي من موقع الأحاديّة المدمّرة مع كل حلفائه الذين سيخسرهم جميعاً في حال التمادي بهذا الأسلوب المرفوض منا جميعاً". فهل هذا ما يحصل حالياً، أم أنّ مواقف "الجنرال" المتشدّدة، وبغض النظر عن خلفيّاتها، لا تُناسب باقي القوى المتحالفة معه، والتي تبحث بدورها عن مصالحها وعن تعزيز نفوذها؟