لم يدفع مرور 30 سنة على قضية المفقودين اللبنانيين في السجون السورية بأهاليهم إلى نسيان قضيتهم أو المساومة بها. ولعلّ الأحداث الدائرة في سوريا منذ سنتين أعادت بعض الأمل لهم على قاعدة "مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد". ففقدان النظام السوري للسيطرة على عدد من الأراضي، وبروز حركة المعارضة في الداخل والخارج، قد يدفعان قدمًا في إنهاء ملفّ اللبنانيين المفقودين في سوريا. فهناك من يرى فيهم "صفقة رابحة" للرئيس السوري بشار الأسد لـ"تبييض" صفحته مع بعض اللبنانيين، ومنهم من يرى أن الأحداث قد تطال السجون، وبالتالي تحرير المعتقلين، ومنهم من يرى في المعارضة صورة أخرى للنظام، على اعتبار أنها ترتكب مجازر وتقوم بعمليات خطف وترهيب.

صبرا: خطوتنا الأولى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين

لم يميّز النظام السوري، من أيام الأسد الأب، وصولا إلى الأسد الإبن، بين اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، حتّى امتلأت سجونه بالمعتقلين السياسيين والمخفيين قسرا. رئيس المجلس الوطني السوري ​جورج صبرا​ كان أحد معتقلي النظام السوري، وهو يؤكد في حديث لـ"النشرة" أن "المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية شأنهم شأن ضحايا النظام السوري من السوريين"، لافتا إلى أنه "قابل شخصيا عددا منهم في الثمانينات عندما دخل الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وأخذ ضباط اليرزة إلى السجون السورية والتقى بعدد كبير من السجناء اللبنانيين الذين ينتمون للحزب التقدمي الإشتراكي والذين ينتمون للأحزاب السياسية الأخرى".

"السجون السورية لم تفوت أحدا من اللبنانيين أو الفلسطينيين ونحن نعتبر هؤلاء ضحايا نظام الإستبداد والقمع السوري مثل السوريين تماما وعندما نطالب بتحرير السجناء السياسيين والمعتقلين في سوريا نعني جميع المعتقلين السياسيين وجميع السجناء الذين لا تطالهم القوانين والمسجونين على أرضية سياسية"، يقولها صبرا بصراحة، لكنّ معظم المعتقلين اللبنانيين في سوريا، ليسوا معتقلي رأي أو معتقلين سياسيين، بل هم ضحايا إخفاء قسري، وضحايا مصالح سياسية كانت تجمع الأحزاب اللبنانية بالنظام السوري.

يتمنى صبرا أن "يكون هناك أحياء بين اللبنانيين"، قائلا: "يجب أن ننتظر خروجهم ولا يجب أن نقطع الأمل فهناك من السوريين من هم مستمرون في السجن منذ عقود ونتلمس أخبارهم هنا وهناك ونرجو أن يكونوا على قيد الحياة ويعودوا إلى بلدهم وأهلهم سالمين"، مضيفا أنه: "يجب أن يتأكد الجميع أن خطوة الثورة الأولى هي إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وجميع المعتقلين في السجون السورية من السوريين وغير السوريين".

المعارضة وجه آخر للنظام؟

لا يعوّل رئيس لجنة "سوليد" ​غازي عاد​ على وعود المعارضة السورية، فهو يرى فيها وجها آخر للنظام السوري، منطلقا برؤيته هذه من قضية اللبنانيين المخطوفين في أعزاز، معتبرا أنها قد تكون نموذجا لتعاطي المعارضة مع اللبنانيين، مشيرا إلى أنه "قد يأتي يوم ونترحم فيه على النظام السوري"، مشددا في المقابل على أن "من سيحكم سوريا في المستقبل، من أي جهة كان، تقع عليه مسؤولية إعطاء الدولة اللبنانية وأهالي المفقودين أجوبة صريحة عنهم".

وعلى رغم عدم اتضاح صورة المرحلة المقبلة في سوريا، فإن المعارضة، بلسان رئيس المجلس الوطني السوري جورج صبرا، تؤكد أنها "تريد أن تقيم علاقات متوازنة أخوية وعلاقات صداقة ودية مع دول وشعوب المنطقة، وهي تريد أن تنزع الخوف من كل المنطقة لأن الذي زرع الرعب فيها هو هذا النظام ويذكر اللبنانيون جيدا ماذا فعل هذا النظام في مختلف القوى السياسية اللبنانية والطوائف والمكونات الإجتماعية وماذا فعل في الجانب الفلسطيني وما يفعله اليوم في سوريا"، مطمئنا أهالي المفقودين في سوريا أن "المعارضة المسلحة كلها تتوجه باتجاه النظام ولا خوف من أحد أو على أحد منها، لأن لديها هدف واحد هو إسقاط النظام"، قائلا: "المعارضة تريد بناء نظام جديد في البلد، وسيرى العالم أن السوريين سيديرون بلدهم بحكمة وعقلانية وسلمية تليق بتاريخ سوريا وعلاقات شعبها مع جميع دول العالم".

ماذا عن تحرّك الدولة اللبنانية في حال سقوط النظام؟

يرى مقرر لجنة حقوق الإنسان في المجلس النيابي ​غسان مخيبر​ أن "الدولة اللبنانية يجب أن تتعاطى مع ملف المفقودين اللبنانيين بمعزل عن النزاع الدائر في سوريا لأن هذا الأمر لا يعني السلطات اللبنانية بل عليها أن تبني ملفات كاملة لكل شخص وأن تجري كل الاتصالات الضرورية في هذا الشأن".

ويوضح مخيبر، في حديث لـ"النشرة"، أن "حل هذه القضية يكون بإنشاء الهيئة الوطنية المستقلة للمخفيين قسرا"، مشيرا إلى أن "موضوع المفقودين يعتبر تحدّيا على عاتق الهيئة، خصوصا أن لدى المعارضة السورية مخطوفين لبنانيين كذلك وعليها أن تعمل وفق معايير موضوعية وتكون بعيدة عن التدخل بالأمور السياسية"، مشددا على أنه "على الهيئة أن تتواصل مع المعارضة السورية لأن هدفها معرفة مصير المخفيين في سوريا وتحديد الأماكن الممكنة لهم والاتصال بالسلطات السورية عبر السلطات اللبنانية".

يبدي عدد كبير من أهالي المفقودين في سوريا تحفظهم على فكرة رحيل النظام السوري وتولّي المعارضة السلطة، وهم إذ يرفضون الدخول في دهاليز السياسة، لا يأملون سوى أن تؤدي الأحداث في سوريا إلى إطلاق سراح أبنائهم، إن عبر النظام الذي قد يريد "تبييض" صفحته مع اللبنانيين، أو عبر المعارضة "التي ذاقت من النظام ما ذاقه الأهالي أنفسهم"، والتي قد تعمل على إطلاق اللبنانيين من السجون السورية كبادرة حسن نية وخطوة أولى في سبيل علاقات جيّدة بين لبنان وسوريا الجديدة.

هذا الموضوع هو الجزء الثاني من ملف خاص فتحته "النشرة" تحت عنوان "مفقودون ومخطوفون: جرح لبنان النازف في سوريا منذ سنوات طويلة".

الأجزاء السابقة:

الجزء الأول -بين الإخفاء القسري والإعتقال: هل تضيع قضية اللبنانيين المفقودين في سوريا؟