ودّع أبناء مخيم برج البراجنة الشهيد محمد السمراوي. عائلته قتلت الفتنة في مهدها مانعة أحداً من الاصطياد في الماء العكر قائلة بصراحة: «ممنوع سبّ حزب الله»

قاسم س. قاسم

Click here to find out more!

«فليحيَ نصرالله»، صرخ أقارب الشهيد محمد السمراوي في جنازته أمس. كلمتان، كانتا كفيلتين بتهدئة نفوس المشاركين في تشييع الشاب الذي استشهد في إطلاق نار أول من أمس على أحد مداخل مخيم برج البراجنة، بين شبان من المخيم وآخرين من حزب الله.

شكل أهل الفقيد صمام الامان للمخيم. لم يعملوا على التجييش ضد حزب الله وكانوا بمثابة إطفائيين لنفوس الذين أرادوا التصعيد. «ما حدا يحكي باسم العيلة، اللي مات أخوي، وبدناش نعمل مشاكل، اللي بدو يسبّ بالجنازة ما يمشي فيها»، يقول شقيق الراحل. سارت الجنازة في المخيم ببطء. طاف المشاركون بنعش الشهيد المغطى بالعلم الفلسطيني في الازقة التي ضاقت بكثرة المشيعين. على طول الطريق المؤدية الى الجبانة وقف الجميع بصمت. مروا بالقرب من مركز فتح الانتفاضة حيث يوجد علم لحزب الله. الراية الصفراء غير استفزازية لعيون الموجودين، فهي هناك منذ زمن بعيد. لكن في هذه اللحظة، يستقطب العلم الأعين.

هل سيحاول أحد إنزاله تعبيراً عن غضبه؟ ينظر الجميع إليه. يهتفون مجدداً دعماً لحزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله. تكمل الجنازة طريقها الى الجبانة. أنزل الشهيد في لحده. وقف الجميع بصمت. عاد أبناء المخيم الى مقر «رابطة أبناء الكابري» لتقديم واجب العزاء الى الاهل.

عند خروج المشيعين من الجبانة، حاول أحد الشبان إنزال العلم. مُنِع. «هدول مقاومة زيّنا زيّهم» يصرخ عليه أحدهم.

مسؤولو فصائل منظمة التحرير وتحالف القوى الفلسطينية شاركوا في التشييع، جميع الفصائل كانت موجودة. توجهوا الى مكتب الجبهة الشعبية القيادة العامة. جلس المسؤول في القيادة العامة أبو عماد رامز الى جانب قائد الامن الوطني صبحي أبو عرب وبقربهما عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية علي فيصل. مسؤولو الفصائل في المخيم كانوا موجودين أيضاً. أعلن الحضور ما تم الاتفاق عليه مع حزب الله أول من أمس: تفعيل العمل المشترك لعدم تكرار ما جرى، وتعزيز عناصر اللجنة الامنية على مداخل المخيم لمنع أي استفزازات. خلال الحديث تصل والدة أحد الجرحى الذين سقطوا في إشكال أول من أمس. الشاب من أكبر العائلات في المخيم، وحالته الصحية «في خطر»، كما يقول أحد الجالسين. تقول الأم إنها منعت للمرة الثالثة من رؤية ابنها بعدما نقلته استخبارات الجيش من المستشفى الذي كان فيه. حاول مسؤولو الفصائل حل الاشكال ووعدوا الوالدة خيراً.

خرج المجتمعون لتقديم واجب العزاء. تستقبل العائلة المعزين بصمت. وقف والد الشهيد الى جانب أشقائه. ردّ التعزية بابتسامة بسيطة. «حرقة قلب» الإخوة على شقيقهم بادية في أعينهم. ردّوا التعزية بصوت متهدج. تُقرأ الفاتحة. يقول فيصل كلمة ارتجالية مؤكداً أن «السمراوي فدا المخيم بروحه». أضاف: «اجتزنا مشاكل عدة، وأثبت شعبنا أنه ضد الفتنة. دمر مخيم نهر البارد، عضضنا على جرحنا، ولم ننجر الى مشكلة. وقعت إشكالات عبرا واستطعنا أن ننأى بأنفسنا، والآن جنّبنا مخيم البرج إشكالاً مع محيطه بوعيكم ووعي شبابنا». عند خروج مسؤولي الفصائل تبلغ أحدهم تجمع بعض أبناء المخيم في ساحة القدس. «يا أخي مش كل المخيم مثل بيت السمراوي»، يقول أحد مسؤولي الفصائل. حاول الرجل الاستفسار عن سبب الاستنفار الموجود. في الطريق المؤدية الى الساحة صرخت إحدى المسنات ببعض الشبان المتوجهين الى هناك: «عيب والله استحوا وفوتوا على المخيم». استجاب البعض لها. وفي الساحة، وقف أفراد من القيادة العامة لمنع خروج أحد من المخيم. يقول أحد الشبان الغاضبين: «أغلق حزب الله الطريق مجدداً بحجارة اسمنتية بالقرب من المدخل، ما يجبرنا على المرور على حواجزهم لتفتيشنا». بالنسبة إلى أبناء المخيم المشكلة ليست في عملية التفتيش التي يقوم بها عناصر حزب الله. تكمن المشكلة هنا في السؤال الشهير الذي يوجهه عناصر الحواجز «من وين حضرتك»، إذ يضطر الفلسطيني الى تعبئة استمارة أمنية، «ما جعل أبناء المخيم يشعرون بأنهم متهمون»، يقول أحد مسؤولي الفصائل. يشرح الرجل أنه «تم التواصل مع حزب الله على أن تفتح الطريق أمام المخيم، وتخفيف بعض الاجراءات بحق اللاجئين».

هذا في المخيم. أما في برج البراجنة، فقد شهدت المنطقة حركة خفيفة للسكان والسيارات، بعدما حاول بعض أبناء المخيم صباحاً قطع شارع العنان ـــ عين السكة بالإطارات المشتعلة. لكن سرعان ما عمد بعض وجهاء المخيم إلى إطفائها وفتحوا الطريق أمام المارة. أما حزب الله، فقد أبعد عناصره وحواجزه عن باب المخيم الشرقي. وبالقرب من بنك عودة حيث كان أكبر حواجز حزب الله، فقد أزيل الحاجز ووقف مكانه بعض عناصر الجيش. هذه الإجراءات خففت حالة الاحتقان، إلا أنها لم تزل التوتر، خصوصاً بعد انتشار شائعة تتحدّث عن رفض عائلة الشهيد دفنه قبل تسلّم القاتل. وسبّبت الشائعة حالة من التوتر في محيط المخيم، فأقفلت بعض المحال أبوابها «أحسن ما يصير شي»، يقول أحد اصحاب المحال. تمر ساعة تقريباً، حتى تصدح مكبرات الصوت من المخيم تدعو إلى المشاركة في تشييع الشهيد السمراوي عند صلاة العصر. ينزل الخبر برداً وسلاماً على أبناء المخيم والأحياء المحيطة به.

بعد الدفن، استمرت التحقيقات الأمنية لمحاولة كشف حقيقة ما جرى أول من أمس، وتحديد أسباب الاشتباك الذي أراق الدم بين المخيم والضاحية، حاضنته الجغرافية. الطبيب الشرعي أنهى تقريره. دُفن السمراوي. شهيد آخر سقط من المخيم... «فدى فلسطين».