منذ يومين أصدرت اللجنة المركزية لحركة فتح قراراً بإجماع أعضائها، يقضي بطرد نائب قائد الامن الوطني محمود عيسى «اللينو» من صفوف الحركة. الاسم أشهر من نار على علم في مخيمات لبنان، وخاصة في عين الحلوة. فهو اليد الضاربة في المخيم الأخير، وأكثر المتعاونين مع الدولة اللبنانية في مجال حفظ الأمن هناك، وتوقيف المطلوبين. من المحتمل أن يكون للقرار تداعيات على الساحة الفلسطينية، وخاصة أن إزاحة اللينو ستريح المجموعات الإسلامية المتشددة التي حاربها الaرجل طوال أكثر من عقد. ولأجل ذلك، تحركت أمس مراجع أمنية لبنانية لإجراء وساطة بين عيسى وقيادة حركة فتح، لمحاولة التراجع عن القرار الذي لم يتبلغه الرجل بعد. وعُقِد أمس أكثر من اجتماع في مديرية استخبارات الجيش لهذه الغاية، من دون التوصل إلى نتيجة.

لماذا تعير الأجهزة الأمنية اللبنانية الفتحاوي الشاب (مواليد 1970) اهتماماً؟ قبل أكثر من عشر سنوات، برز اسم اللينو في مخيم عين الحلوة. الضابط في حركة فتح قرر الوقوف في وجه القوى الإسلامية، ومحاربتها. رفع شعار: «لن نسكت عن سقوط الدم الفتحاوي». وكلما ذاع صيته، رافقته تهمة التعاون مع المسؤول الأمني الفتحاوي محمد دحلان الذي كان يتولى التنسيق بين سلطة رام الله والاستخبارات الإسرائيلية. لم ينف التهمة دوماً، ولم يعترف بها في كل الأوقات. لكن الامن اللبناني، ومعظم الفصائل الفلسطينية التي تخاصم الإسلاميين، نظرت إليه كعامل توازن مع الإسلاميين، وخاصة عصبة الأنصار وفتح الإسلام وجند الشام وغيرها.

قاتل عصبة الأنصار وعصبة النور في 2003 ليتفق في ما بعد مع عصبة الانصار على توليهما التنسيق للحفاظ على أمن المخيم. حينها أثبت الرجل أنه رقم صعب في عين الحلوة، مجبراً الأطراف الفلسطينية على الوقوف عند رأيه ورغباته في كل شاردة وواردة. الأجهزة الامنية اللبنانية (استخبارات الجيش بشكل خاص) تعرف عيسى جيداً. فهو على تنسيق تام معها. يسلمها مطلوبين، ويعطيها من خلال مخبريه في المجموعات الاسلامية معلومات ساعدتها في كشف عمليات قبل وقوعها أحياناً. هكذا يقول عنه عارفوه من الضباط اللبنانيين.

سعى «أبو العبد» الى توحيد البندقية الفتحاوية، ضمن تشكيل أمني موحد، أملاً بترؤسه. طرح رؤيته العسكرية على رام الله. وافقت اللجنة المركزية للحركة عليها، فألغيت كل التشكيلات العسكرية للحركة ودمجت في الامن الوطني. لم يترأس «اللينو» الجهاز، وعيّن نائباً لقائده.

رغم ذلك، بقيت عينه على منصب قائد الامن الوطني. زاد اللينو من عديد القوات التابعة له، معتمداً على الشباب الذين درّبهم وأمّن لهم تمويل رواتبهم. مجدداً قيل إن دحلان هو من يرسل الأموال لرجله في مخيمات لبنان.

في منزله في عين الحلوة صورة ضخمة للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. واسم ابن «أبو العبد » البكر ياسر، وذلك تيمناً بعرفات. في المخيم يسير الرجل مع عدد كبير من المرافقين، إذ إنه قد تعرض لمحاولات اغتيال عدة، آخرها كانت العبوة التي وجدت قرب منزله منذ ستة أشهر. خارج المخيم «اللينو» رجل عادي. يقضي الكثير من وقته في شارع الحمرا، من دون مرافقة. يسير وحيداً حتى من دون مسدس على خصره. أينما توجه طوال العقد الماضي، بقي اسمه في لبنان ملاصقاً لاسم محمد دحلان.

وبسبب الأخير، فُصِل من حركة فتح قبل يومين. فخلال الأشهر الماضية، كان اللينو الراعي الرسمي لتحركات زوجة دحلان في لبنان، وهي التي نشطت في مجال توزيع المساعدات «الاجتماعية» والمالية لعائلات فلسطينية، وخاصة بعض العائلات التي نزحت من سوريا.

في النهاية، صدر قرار الفصل. لكن الأجهزة الأمنية تتخوف من تداعيات هذا القرار، لأن تجربة الأعوام الماضية أثبتت أن اللينو هو الفتحاوي الوحيد الذي واجه بلا تراجع القوى الإسلامية في أكبر المخيمات الفلسطينية، وحال دون سيطرتها على المخيم الصيداوي.