حلّ موسم قطاف الزيتون باكراً هذا العام في مختلف المناطق الجنوبية وتحديداً في منطقة النبطية. الحقول تمتلئ بالأهالي الذين يحزمون أمتعتهم منذ الصباح الباكر، يقصدون الحقول لقطاف موسم الخير والبركة، كيف لا وشجرة الزيتون باركها الله. صغارا وكبارا واطفالا تعج بهم الحقول الزراعية في منطقة شمال الليطاني وجنوبه يشمرون عن سواعدهم ويبدأ عملهم منذ الفجر حتى ساعات الغروب حيث يغادرون الحقول محمّلين بالانتاج الذي يبدو أنه يتفاوت بين بلدة وأخرى، إلا أنه يكفي حاجة الاستهلاك المنزلي او ما يزيد.

على طول الخط الممتد من زوطر الشرقية الى زوطر الغربية ويحمر الشقيف وكفرتبنيت والنبطية الفوقا ونزولا حتى قعقعية الجسر ووصولا الى الغندورية وفرون والطيبة ودير سريان وغيرها من البلدات الجنوبية، تطالعك صفوف من المواطنين من مختلف الاعمار يتمسكون بأغصان أشجار الزيتون لقطافها وعيونهم شاخصة على الثمر وخوفهم من القنابل العنقودية التي خلفها العدوان الاسرائيلي في الحقول وبين كروم الزيتون والاراضي الزراعية في تموز من العام 2006 وان تم تنظيف بعضها لكن العوامل الطبيعية من شتاء وامطار وعواصف وسيول واتربة غمرت قنابل أخرى تحت التراب فباتت مصدرا للقتل الاسرائيلي وهنا تكمن المصيبة، "والله يستر" لسان لحال معظم الجنوبيين.

مزارعون شكّلوا خط الدفاع الأول عن لبنان

بداية الجولة كانت في بلدة يحمر الشقيف، حيث الزيتون يغطي معظم الأراضي الزراعية في البلدة ويلف المنازل، بحسب غازي عليق الذي تحدّث لـ"النشرة"، لافتاً إلى أنّ البلدة زراعية في الأساس وهي تعتمد على موارد الرزق من الزراعة والزيتون والتبغ ثمّ الوظيفة في الدولة، لكنّه لاحظ أنّ إنتاج الزيتون لهذا العام يكاد يتراجع عن السنة الماضية، وقال: "تعوّدنا من الأجداد والآباء أنّ الإنتاج يكون جيداً لسنة ثمّ يتراجع في السنة التالية، إلا أننا هذه السنة، ورغم الشح في المحصول، نكاد نسد رمق العيش ونؤمن المونة لكافة افراد العائلة لا بل نبيع زيتونا وزيتا".

ولفت عليق إلى أنّ المزارعين ما زالوا يعانون خطر القنابل العنقودية الاسرائيلية التي، وإن ازيلت من أراض بفعل دور الجيش وفريق "ماغ"، لكنها ما زالت منتشرة في أراضٍ أخرى مما يحرم أصحابها من جني ثمار المحصول عن الشجرة، مذكّراً بما حصل منذ ثلاث سنوات بينما كان إبن البلدة الحاج حسين علي احمد يقوم بالقطاف قرب منزله، فانفجرت فيه قنبلة عنقودية أدت لمقتله بينما أصيب آخرون بجروح.

وإذ أكد عليق تسعير صفيحة الزيت هذه السنة بـ200 ألف ليرة وكيلو الزيتون بـ5 آلاف ليرة، طالب الدولة بالإلتفات إلى المزارعين وخصوصا مزارعي الزيتون وتقديم الدعم اللازم وإقامة الندوات الزراعية التي تساهم في تطوير وزيادة الانتاج خصوصاً أنّهم شكلوا خط الدفاع الاول عن لبنان من خلال صمودهم في ارضهم اثناء الاحتلال الاسرائيلي للجنوب.

قصتنا نضعها برسم الدولة

وخلال وجودنا في البلدة أُبلِغنا بقصة نادرة الحصول وهي أنّ مجهولين أقدَمُوا على سرقة ثمار كرم الزيتون العائد للمؤهل المتقاعد في قوى الامن الداخلي علي حبيب عليق، فقصدناه في منزله ليروي لنا ما حصل، حيث كشف أنه يملك حقلاً يضمّ 70 زيتونة معمّرة على ضفاف نهر الليطاني لجهة يحمر وهو شراكة ما بينه وما بين كاظم خليل بركات، وقال: "توجهنا ذات يوم وعاينا الحقل ورأيناه غنيا بالثمار وقمنا بوضع "الشوادر" تحت الاشجار في اليوم الاول لنأتي في اليوم الثاني لقطافها ففوجئنا أنّ مجهولين أقدموا على قطافها في غفلة من الوقت لا ندري بأي طريقة وكانت خسارتنا المشتركة ما يقارب الـ5 الاف دولار"، وأضاف: "هذه هي قصتنا التي نضعها برسم الدولة ولا نطالب لا بالتعويض ولا بأي شيء آخر لأنّ حقوقنا لم نحصل عليها".

لقمة العيش لا تأتي إلا مغمّسة بالتعب والعرق

وخلال جولة "النشرة" الجنوبية، التقينا بفاطمة خليل زكريا في كفرتبنيت التي لفتت إلى أنّ الموسم جيد لديها قياسا على ما تسمعه من قرى مجاورة لبلدتها، وأشارت إلى أنّ الانتاج وفير وما يتمّ إنتاجه من الزيتون والزيت يُوزّع على العائلة وافرادها، وقالت: "الاشجار ممتلئة بالحبوب ونحمد الله أنّ الكروم حول المنازل قد نظفها الجيش والفرق المختصة من القنابل العنقودية الاسرائيلية لكن يبقى هذا الخطر على اطراف البلدة". وأضافت: "عندما ننتهي من موسم القطاف نقوم بنقل المحصول الى المعصرة لعصره واستخراج الزيت وهناك معاصر زيتون بدأت تعمل وبوتيرة عالية".

بدورها، لفت حمدة فقيه من المنطقة نفسها إلى أنّ إنتاج الزيتون لهذه السنة يكاد يكفي للتموين العائلة، وقالت: "لأجل ذلك، نتكاتف كأفراد عائلة حتى لا نتكبد أجرة عمال لأنّ الوضع الاقتصادي ضاغط ولقمة العيش لا تأتي إلا مغمسة بالتعب والعرق والبحث عنها بين المخاطر والمجهول"، وطالبت بدعم مزارعي الزيتون لانهم الاساس مع مزارعي التبغ في الصمود في الجنوب.

إلى زوطر، حيث التقت "النشرة" بفاطمة اسماعيل وهي تلملم حبات الزيتون من تحت الاشجار، وقالت: "التعب كبير والانتاج متوسط والمزارعون مصرون على التمسك بالزراعة والاهتمام بأشجار الزيتون التي باتت تمتاز بأجود انواع الزيت الذي يطلب منا من مناطق لبنانية بعيدة نظرا لجودته"، وأكدت أنّ ما تنتجه عائلتها يتحول الى افراد العائلة من زيت وزيتون "ولا نبيع منه الا اذا فاض عن حاجتنا وهذا ما نقرره في نهاية موسم القطاف".

شجرة مباركة من الله..

وخلال جولة "النشرة" الجنوبية، التقت برئيس بلدية زبدين محمد قبيسي الذي لفت إلى أنّ الموسم متوسّط، مشيراً إلى أنّ البلدية تقوم بمواكبة المزارعين في عملية القطاف تخوفا من القنابل العنقودية الاسرائيلية، وقال: "نحن من الداعمين لزراعة الزيتون في البلدة ونشجعها وندعم كل المزارعين اذا ما طلبوا اي مساعدة ولدينا محاضرات دورية حول دعم الزراعة ومنها زراعة الزيتون لانها شجرة مباركة من الله"، وطالب الدولة بالعناية بقطاع الزراعة ودعم المزارعين لتبقى ارضنا تنبض بالاخضرار.

وقال حمزة مكي من فرون "اننا نجهد بكل قوة للانتهاء من موسم القطاف مع اولادنا ونعمل على رفع الوتيرة في العمل لان الاولاد دخلوا الى المدارس ولا نستطيع كغيرنا استئجار عمال سوريين فأجرة العامل 50 الف ليرة يوميا لذا نقوم مع العائلة بحصر هذا العمل بنا لان مصدرنا الوحيد للعيش هو الزراعة".

إنتاج متنوّع.. وشكاوى بالجملة

وفي حبوش، أكد علي نعمة أنّ الموسم ممتاز، وقال: "سوف نبيع ما يبقى عن جاجة العائلة"، فيما لفت محمود قاسم إلى أنه يقوم مع 5 عمال من السوريين يوميا لقطف الموسم "لانه لدينا اكثر من 70 دونما مغطاة بالزيتون المعمر في قبريخا ومحيطها وهذا يتطلب جهدا وان كنا سوف نتكلف اجرة العمال الباهظة هذه السنة".

وقال علي الشاويش انه مع عائلته المؤلفة من زوجته واولاده الثلاثة يقومون بقطف كرم للزيتون لاصحابه من ال بركات لقاء توزيع الانتاج مناصفة بينهم "وهذه هي فرصة عمل لي ولعائلتي امام الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة".

من جهته، قال عيسى نصار من كفرحتى انه في السابق كان كل 60 كيلو غرام من الزيتون يعصر صفيحة زيت بينما اليوم تحتاج الصفيحة الى ما بين 80 الى 90 كيلوغراما من الزيتون وهذا عائد للجفاف الذي اصاب الاراضي الزراعية ولتراجع الاعتناء بشجرة الزيتون وتسميدها وتشحيلها، وأضاف: "الانتاج في بلدتنا يختلف بحسب طبيعة الارض فزيتون البعل اكثر انتاجا للزيت ونوعية الزيتون تؤثر ايضا على الانتاج والزيتون الاخضر يتمتع اكثر بحدة زيته وهو افضل للتخزين والمونة لكن بالاجمال الانتاج افضل من السنة الماضية".

أما مهى نجم فقالت لـ"النشرة": "نقوم بعد القطف بتنقية الزيتون المقطوف من الاوراق والشوائب وعندنا 3 انواع من الزيتون، البلدي وهو اجود والذ انواع الزيتون، والاسود المائل الى الحمرة "الطلياني"، الذي ادخل زراعته الرومان الى بلادنا قديما، ونقسم الزيتون الى 3 فئات اثناء عملية الفرز الحبة الكبيرة الناضجة للمونة، والفئة الثانية لاستخراج الزيت وما تبقى من زيتون صغير لصناعة الصابون البلدي منه".

وشكا ابو نجيب ريحان من المرض الذي يصيب الزيتون وهو مرض عين الطاووس الذي يتسبب بتساقط اوراق الزيتون ووزارة الزراعة امدت البلديات بادوية لمكافحته، ودعا الى وقف استيراد الزيت الاجنبي عند تسلم الاسواق للزيت الوطني لانه اكثر جودة مع العلم ان السعر الذي تباع الصفيحة به لا يوازي اجرة اليد العاملة وتسميد الزيتون وقطافه والعناية بالارض والشجرة.

للاطلاع على الألبوم كاملاًاضغط هنا.