لم يكن أشد المتشائمين، حول إمكان تراجع نفوذ تيار المستقبل في طرابلس، يتوقع أن تصل الأمور إلى حدّ انقلاب القواعد الشعبية في عاصمة الشمال على التيار الأزرق، وأن تُوجّه اتهامات بـ«الخيانة» للرئيس سعد الحريري. ولكن ما كان أضغاث أحلام حتى أيام خلت، بات واقعاً. إذ ما إن أعلن الحريري موافقته على المشاركة في حكومة جامعة إلى جانب حزب الله، حتى قامت قيامة البعض عليه في طرابلس.

منذ إسقاط حكومة الحريري مطلع عام 2011، وتسمية الرئيس نجيب ميقاتي رئيساً مكلفاً، في 25 كانون الثاني من العام نفسه، رفع تيار المستقبل سقف مواقفه السياسية. أعلن الحرب على حزب الله، واشترط انسحاب مقاتلي الحزب من سوريا، وإلا فإن جلوس المستقبليين معه على طاولة واحدة «أمر مستحيل»، كما أعلن الحريري نفسه.

وفي طرابلس، كان تناغم القاعدة الشعبية للتيار الأزرق مع قيادته أكثر بروزاً من غيره من بقية المناطق لأسباب عدة، منها أن طرابلس تحوّلت منذ عام 2005 إلى «قلعة زرقاء» وخزان شعبي وجماهيري يمد التيار بكل ما يحتاج إليه في المهرجانات والاحتفالات. كما أن للمدينة موقفاً سلبياً من النظام السوري يعود إلى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، زادته حدة 18 جولة من الاشتباكات مع جبل محسن منذ 7 أيار 2008، وتخللها في 23 آب الماضي انفجاران ضخمان أمام مسجدي التقوى والسلام في المدينة، ذهب ضحيتهما 51 قتيلاً وأكثر من 350 جريحاً.

هذه الأجواء المحتقنة جعلت الشارع الطرابلسي يسبق تيار المستقبل في تشدّده ويزايد عليه في بعض الأحيان، وخصوصاً الإسلاميين الذين ظهر في المرحلة الماضية أنهم لم يعودوا يقفون خلف التيار الأزرق، بل على يمينه حيناً، وأمامه أحياناً أخرى. لذلك، جاء موقف الحريري الأخير «مفاجئاً» و«صادماً» لهذا الشارع الذي رأى أن زعيمه، من دون مقدمات واضحة أو مقنعة، تنازل عن كل شروطه السابقة، وأعلن موافقته على المشاركة في الحكومة إلى جانب حزب الله، تاركاً جمهوره وحيداً ومذهولاً. وعلى الأرض، كان الاستياء أكثر وضوحاً منه في العالم الافتراضي. فـ«قائد» محور الحارة البرانية وسوق القمح، زياد علوكي، اتهم الحريري بأنه «باع» دماء الشهداء وطائفته من أجل الكرسي، فيما لا يقلّ الوضع داخل التيار حرجاً. فعندما ذهب الحريري إلى دمشق عام 2009 ترجمة للتفاهم السعودي ــــ السوري، برز اعتراض داخل التيار الأزرق على الزيارة، إلا أنه بقي مكتوماً، وخصوصاً أنه بدا حينها ثمناً للبقاء في السلطة. لكن هؤلاء وجدوا أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه، لأن تنازل الحريري الأخير جاء وهو خارج السلطة، وفي خضمّ انطلاق عمل المحكمة الدولية، وبعد أيام من إعلان الرئيس فؤاد السنيورة خلال تشييع الوزير محمد شطح انطلاق «مقاومة مدنية» لإنقاذ لبنان من السلاح، وفي وقت يعاني فيه المستقبل من تراجع في الشعبية وجفاف في الخدمات والتقديمات، ما دفع أحد الناشطين الزرق إلى التعليق على صفحته على الفايسبوك: «لماذا يا شيخ سعد أوصلتنا إلى نصف البير وقطعت الحبل فينا؟».