"بعد سلسلة من العمليات النوعية أعادت صباح الأحد وحدات من الجيش العربي السوري بالتعاون مع الدفاع الوطني الأمن والاستقرار إلى مدينة ​يبرود​ ومحيطها في الريف الشمالي لمدينة دمشق بعد أن قضت على أعداد كبيرة من الإرهابيين المرتزقة الذين تحصنوا في المدينة واتخذوا منها معبرا لإدخال السلاح والإرهابيين إلى الداخل السوري".

مع هذا الاعلان المقتضب، طوى السوريون صفحة من عمر حربهم المستمرّة منذ أكثر من ثلاث سنوات ليفتح اللبنانيون صفحة جديدة على مستقبل الوضع الأمني في ظلّ علامات استفهام كبيرة ومشروعة حول مصير المسلحين والنازحين إلى مدينة عرسال وجرودها وما إذا كان هؤلاء سينقلون المعركة إلى لبنان من بوابة البقاع الشمالي وعبرها إلى طرابلس المنشغلة منذ أيام بجولتها العشرين من الاشتباكات التي استهدفت هذه المرة الجيش اللبناني في محاولة لإقحامه في معارك جانبية لتخفيف الضغط عن عرسال ومعابرها المتصلة بسوريا من جهة وباللبوة التي أقفلت بعض حدودها الجردية بسواتر ترابية في مشهد يؤسّس إلى فهم التطورات الميدانية المرتقبة من جهة ثانية.

وتأخذ علامات الاستفهام هذه مشروعيتها من تداعيات سقوط يبرود وما سيليه من تطورات ميدانية خصوصًا أنّ المعلومات الواردة تباعًا للمعنيين الأمنيين تؤكد أنّ الجيش السوري سيوسّع نطاق معركته باتجاه رنكوس وفليطة وجرود عرسال، حيث اتخذ منها المسلحون خطوط إمداد خلفي مجهز بمستشفيات ميدانية، إضافة إلى مخازن أسلحة ومراكز لقيادة العمليات ولمدّ الجبهة مع سوريا بالدعم اللازم، فضلا عن فرار مئات المسلحين وتمركزهم في الجرود ذات الطبيعة الوعرة ما يضفي على المشهد العام المزيد من القلق.

وتعزّز الخشية من المستقبل الأمني المعلومات المتداولة حول استعدادات جدية لفتح ثلاث جبهات دفعة واحدة في محاولة أخيرة لتعديل موازين القوى، الأولى هي جبهة درعا مع ما يرافق ذلك من استعدادات عسكرية عبر رفد الجبهة بمزيد من المسلحين المعززين بأسلحة نوعية متطورة وتهويل إعلامي، والثانية جبهة الجولان المعززة بدعم اسرائيلي من خلال إقامة مستشفيات ميدانية وهذا ما أدركته القيادة السورية فعمدت إلى نزع الألغام من المنطقة العازلة استعدادًا لكلّ طارئ، أما الثالثة والأخطر نظرًا لتداخلها السياسي والأمني فهي جبهة جرود عرسال، حيث تتعذر عودة المسلحين الغرباء إلى سوريا، ما يعني فرضية من اثنين إما عودتهم إلى بلادهم من خلال مفاوضات لم تبدأ بعد ولا يبدو أنها على مسارها الصحيح أو نقل المعركة إلى لبنان باعتباره أرض نصرة وجهاد، وذلك وسط معنويات قتالية منهارة قد يستفيد منها الجيش اللبناني لتشديد قبضته على المعابر المتبقية، مع الاشارة إلى أنّ أعداد المسلحين الذين ألقي القبض عليهم لا تقاس بنسبة العدد الكبير للمسلحين الفارين.

إلا أنّ مصادر مواكبة تؤكد أنّ ذلك لا يعني أنّ هؤلاء المسلحين ليسوا جميعًا في نطاق المتابعة والرصد، موضحة أنّ المسلحين الذين اختاروا الفرار من الجبهة سلكوا معابر وعرة واقعة تحت أنظار الجيش السوري و"حزب الله" بعد دخول الطائرات من دون طيار على خط الرصد العملاني لمتابعة تحركات القيادات والعناصر بدليل النجاح في القضاء على غالبية القيادات العسكرية في عمليات متفرقة ومعقدة ما ساهم في تسريع منظومة الانهيارات. وتؤكد هذه المصادر قرار القيادة السورية بملاحقة المسلحين والقضاء عليهم وبمتابعة سياسة القضم التدريجي لعدم عودتهم الى الداخل السوري أو مشاركتهم بأيّ عمل إرهابي في دمشق لا سيما أنّ الحديث يتنامى عن معركة دمشق الكبرى التي ستسقط الرئيس بشار الأسد، أقله بحسب اعتبارات الدول الداعمة للمسلحين بأطيافهم كافة، على حدّ تعبير المصادر نفسها.

وأبعد من كلّ ذلك، يبقى السؤال الاكبر عمّا إذا كان الجيش السوري هو من سيطلق معركة جرد عرسال أو أنّ المسلحين أنفسهم هم من سيبادرون خصوصًا في ضوء ملاحقة الطيران السوري لقوافلهم عبر الأراضي اللبنانية، وهذا ما سيطلق سجالا سياسيا جديدا حول سياسة سوريا في حربها المعلنة على الارهاب وما إذا كانت الاتفاقات الأمنية السابقة ما زالت سارية المفعول أم أنّ الحكومة السورية ستلتزم ولو من جهة واحدة بالبند القائل بأنّ سلامة الأراضي السورية من سلامة الأراضي اللبنانية والعكس صحيح.