المُواجهة المسلّحة التي وقعت خلف المدينة الرياضيّة بين مسلّحين تابعين لرئيس حزب "التيّار العربي" ​شاكر البرجاوي(*)ومسلّحين مناهضين له ليست الأولى من نوعها حيث كان سبقها مواجهة دامية أخرى وقعت في الطريق الجديدة في أيّار من العام 2012 وإنتهت بإقفال مكتب "التيّار العربي" في المنطقة، وبخروج البرجاوي وأنصاره منها بحماية أمنيّة من قبل مناصرين لأحزاب تابعة لقوى "8 آذار". فما الذي جرى حتى وقع الإحتكاك الجديد؟ وما هي خلفيّات المُواجهة المُستجدّة؟

بداية لا بدّ من عرض سريع للروايتين اللتين أعقبتا المعارك المستجدة، حيث أنّ البرجاوي تحدّث عن إشكال فردي وقع بعد ظهر السبت بين أحد أنصاره وشاب آخر، تلته إعتداءات على منازل تابعة لأنصاره إستكمالاً "لإعتداءات" دوريّة تطال مؤيّدين له في الطريق الجديدة، ثم هجوم مسلّح في الثالثة من فجر الأحد على مكتب أنصاره في الحي الغربي وراء المدينة الرياضية، وذلك من قبل أنصار "تيار المستقبل" ومجموعات سلفيّة، ما إستوجب التصدّي للمهاجمين. في المقابل، ذكرت مصادر القوى المعارضة للبرجاوي أنّ أنصار الأخير إعتدوا بالضرب على أحد الشبّان المؤيّدين للمعارضة السورية، وذلك في إطار إعتداءات دوريّة ينفّذونها في بيروت ضد كل من يعارض "حزب الله" والنظام السوري، ما أدّى إلى تجمهر العديد من الشبّان في مقابل تجمّعات مسلّحة مقابلة تابعة لأنصار البرجاوي. ونتيجة جوّ الإحتقان المسلّح المتبادل، إندلعت فجر الأحد إشتباكات مسلّحة بالأسلحة الخفيفة والمتوسّطة بقيت مستمرّة لمدّة خمس ساعات، علماً أنّ مسؤولي "تيار المستقبل" نفوا أيّ مشاركة من قبل أنصارهم في المواجهات، في حين رفض بعض أهالي المنطقة الحديث عن مشاركة "سلفيّين".

في كل الأحوال، وبغض النظر عن صحّة أيّ من الروايتين، وعن الأسباب الفعليّة التي لعبت دور الشرارة لإنطلاق جولة جديدة من المواجهات مع أنصار البرجاوي بعد نحو عامين من المواجهة السابقة، الأكيد أنّ المسألة هي أبعد من مجرّد إشكال فردي، وحتى أبعد من مسألة "تسيّب السلاح وحاملي السلاح، والخروج على الدولة وعلى السلطة الشرعية" بحسب تعبير رئيس الحكومة تمّام سلام. وتدخل المواجهة الجديدة في إطار إستعدادات متبادلة بين من يقف وراء كل من الفريقين المسلّحين، خصوصاً لجهة السيطرة الميدانية على مناطق جغرافيّة حسّاسة إستعداداً لمواجهات محتملة في المستقبل، وكذلك لاختبار قوّة الخصوم ومدى جهوزيّتهم للدخول في مواجهات أمنية وعسكرية، إضافة إلى توجيه الرسائل في غير إتجاه.

وشاكر البرجاوي الذي دأب منذ إخراجه بالقوّة من الطريق الجديدة، على إعادة ترتيب أوضاع تنظيمه المسلّح الصغير، مستفيداً من دعم حزبي محلّي، يُستخدم من قبل القوى التي تقف وراءه ليكون واجهة أمنيّة ضد فرقاء مسلّحين محلّيين، لإعطاء إنطباع أنّ المواجهة الداخلية غير مذهبيّة، بل لها أبعاد سياسيّة فقط لا غير. وهو يُعطَى دوراً سياسياً يفوق حجم شعبيّته وقدرته الأمنيّة، ليكون واحداً من مجموعة من "المسؤولين المحلّيين" الموزّعين على الداخل اللبناني، إن في صيدا أو بيروت أو طرابلس أو عكار، والتي من أولى مهمّاتها إرباك خصومها بمواجهات أمنيّة داخلية. في المقابل، إنّ القوى السلفيّة المُسلّحة والتي تضم مقاتلين من جنسيّات لبنانية وفلسطينية وسورية صارت منتشرة في أكثر من بقعة في بيروت، كما في غيرها من المناطق اللبنانية، بفعل تنامي "الخلايا الأمنيّة" النائمة، داخل عدد من المخيّمات الفلسطينيّة وعلى أطرافها، وفي مناطق ذات بيئة مذهبيّة وسياسيّة شبه منسجمة. وبموازاة توسّع إنتشارها الجغرافي، صارت القوى السلفيّة أكثر تنظيماً وأكثر عدداً وأفضل تسليحاً وتجهيزاً. كما أنّها صارت خصوصاً أكثر جرأة على التحرّك المُشاغب وعلى القيام بأعمال مخلّة بالأمن من دون الخوف من عواقب أو تبعات أفعالها.

في الخلاصة، إنّ معارك محيط المدينة الرياضيّة، والتي تأتي بموازاة نزف طرابلس الدموي المفتوح، والتوتّر الأمني المُتزايد في عرسال ومحيطها، وفي غيرها من المناطق اللبنانيّة، تفضح حجم إنتشار السلاح الخفيف والمتوسّط غير الشرعي والعدد الكبير للمسلّحين الخارجين على القانون وعلى السلطة من دون أيّ محاسبة جدّية. وهي تؤشّر أيضاً إلى خطورة ما يُمكن أن يحدث في حال صدر قرار خارجي بإشعال أكثر من جبهة داخل لبنان في وقت واحد، علماً أنّ القوى الأمنيّة اللبنانيّة الرسميّة التي تجهد حالياً لضبط الوضع الأمني المتردّي في أكثر من مكان، متنقّلة بين منطقة وأخرى، قد تجد نفسها في موقف حرج جداً في حال إنفجار الوضع الأمني بتوقيت متزامن في أكثر من مكان.

(*)تاريخ شاكر البرجاوي حافل بالعمل الأمني المتنقّل بين أكثر من جهة وعلى أكثر من جبهة، بدءاً بمشاركته في الحرب اللبنانية إلى جانب التنظيمات الفلسطينيّة المسلّحة، وصولاً إلى تورّطه الأمني ضد الإيرانيّين خلال الحرب مع العراق في عهد الرئيس الراحل صدام حسين. وهو دفع في العام 1984، ثمن تقاربه مع حركة فتح بقيادة "أبو عمّار"، حيث سُجن في سوريا لمدة سبع سنوات، ولم يخرج في العام 1991 إلا بعد وساطة من قبل مسؤَولين لبنانيّين من الصفّ الأوّل. وعلى الرغم من أنّه كان ضدّ دخول مقاتلي "حزب الله" إلى منطقة الطريق الجديدة خلال أحداث 7 أيار 2008، أصبح إعتباراً من العام 2009، من أشدّ مؤيّدي "الحزب" والنظام السوري "الممانع".