يعترف أكثر من مسؤول أنّ رئيس حزب الكتائب اللبنانية الرئيس أمين الجميّل رمى حجراً في بركة المياه الراكدة فحرَّكها، ودارت على نفسها بسرعة فائقة ما فتح ثغرة في الدائرة المقفلة التي تجمّد داخلها الحوار بين اللبنانيين، تزامناً مع انعقاد الدورة الثالثة لإنتخاب الرئيس العتيد للجمهورية. فما الذي قصده الجميّل وما الذي تحقَّق حتى اليوم؟

إتصل أحد النواب المحسوبين على قوى «8 آذار» بزميله من الضفة الأخرى قبيل ظهر الأربعاء الماضي ليمازحه قائلاً إنّ «صديقكم وحليفكم الرئيس أمين الجميّل عطَّل نصاب الجلسة النيابية، عندما فاجأ رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون بزيارته في الرابية ما حال دون انتقاله إلى مجلس النواب للمشاركة في الجلسة وتأمين النصاب».

إستوعب الزميل الرواية وردَّ ضاحكاً، مؤكداً أنّ «الزيارة مهمّة وسيقدّرها جنرال الرابية، ذلك أنّ الإجتماع وإن أدّى الى تطيير النصاب، فإنه قد يُوفّر الظروف لعقد جلسة انتخابية يوماً ما، وإن كان ذلك رهن التزامكم بتفاهمات لقاءات الأقطاب الموارنة في بكركي لجهة وقف تعطيل النصاب». وأضاف: «السؤال الأهم يبقى هل ستعقد هذه الجلسة قبل نهاية الصيف المقبل، إذا صحت نظريتكم بأنّ حظوظكم بدخول قصر بعبدا لا تتحقَّق إلّا عبر الفراغ الذي تُسرعون اليه؟ ففي حالات الفوضى لا يكسب إلّا من يستطيع ملء الفراغ على الأرض وعلى خلفية: «يا أنا يا الطوفان».

أبلغ ما تقود اليه هذه الرواية، أنّ منطق الإتهام وتحوير الوقائع قد يكون من أسهل الوسائل التي يمكن استخدامها للتعمية على الحقائق، والسعي الى قلبها بمجرد القدرة على صناعة السيناريوهات المليئة بكل الرغبات والتمنيات المكبوتة والخالية من بعض منطق وكل الحقائق.

يقول العارفون إنّ ما قصده الجميّل من حركة الإتصالات التي باشرها كان «كسر كل أشكال الدوائر المقفلة على الحوار بين طرفَي المواجهة»، والتي عطلت إمكان البحث عن مرشّح يحظى بالنصاب الدستوري قبل الأكثرية المطلقة بالنصف زائداً واحداً في ظل فشل أيّ طرف في إحداث خرق في صفوف الآخر.

ففي موازاة إصرار قوى «8 آذار» على نيل موافقة تيار «المستقبل» على «المرشح الوفاقي» العماد ميشال عون مهما طال الزمن او قصر، في مواجهة إصرار قوى «14 آذار» على مرشحها، كان لا بدّ أن يخطو الجميّل خطوةً ما للخروج من شرنقة «التحالفات المقفلة»، وهو المؤهل لقيادة مثل هذا الحوار فليس هناك ابواب مقفلة امامه بدليل أنّ مَن لم يزره في مقره يمكن أن يستقبله في بكفيا.

والحصيلة المباشرة التي كشفت عنها الدورات الإنتخابية الثلاث الماضية، أحيت لدى الجميّل كمّاً من المخاوف على الإستحقاق في حدّ ذاته، وخطراً حقيقياً على الموقع المسيحي الأول في الجمهورية. فأطلق حركته تحت شعار «إنقاذ الجمهورية» محذّراً مما هو آتٍ في حال بقيت المواجهة على ما هي عليه. فلولا الحوار القائم بصيغة ملتبسة بين التيارَين الأزرق والبرتقالي، لم يكن هناك مَن يقوم بأيّ دور للخروج من المأزق الراهن او على الأقل نقل ما يدور في الغرف المقفلة من حوارات الى العلن، وأبرزها الحاجة الى الخروج من النفق الذي قادت اليه استراتيجية الطرفين منذ 23 نيسان الماضي الى اليوم.

ليس سهلاً ما يسعى اليه الجميّل. فالطريق محفوف بالمخاطر والألغام، وهناك مَن يتربّص بكل خطوة متقدمة في اتجاه الحل. فهناك سيناريوهات خيالية عدة جاهزة لضرب كل مساعي الخروج من النفق وإن تلبَّست مظاهر محاضر الجلسات السرية. ففي الأمس قيل إنّ النائب سامي الجميّل «رشَّح والده في لقاء بيت الوسط الذي عقد بعد ساعات قليلة على زيارة الجميّل الأب الى معراب ما أدى الى عاصفة ردود من نواب «القوات اللبنانية» وغيرهم»، فيما الحقيقة تشي بغير ذلك. فقد لفت الجميّل في اللقاء الى انه «لا يمكننا المضي في الإستراتيجية المعتمدة التي لن تقود إلّا الى الفراغ، متسائلاً عما إذا كان لأحد تفسيرٌ آخر من خلال الإستمرار في ترشيح الدكتور سمير جعجع».

واشترط «التوافق بين مكوّنات «14 آذار» للخروج من هذه الإستراتيجية»، وهي معادلة لم يرفضها أحد بدليل أنّ جعجع كان أوّل مَن تجاوب معها عندما رهن سحب ترشيحه من بكركي التي زارها في اليوم التالي بالتوافق على مرشح من هذه القوى. فما هو الفرق بين الطرحين؟