مع ترحيل جلسة البت ب​سلسلة الرتب والرواتب​ إلى التاسع عشر من حزيران الجاري، اشتد الكباش الحكومي النيابي بشكل سمح للمراقبين بطرح أكثر من علامة استفهام حول ما اذا كان هذا الكباش سيعطل الحكومة ويعرضها إلى المزيد من الضغوط المعنوية والسياسية أم أن تحريك السلسلة والمطالبين بها جاء بناء على اشارة انتهت مدة صلاحيتها مع الإبقاء على حالة ربط نزاع من دون اعلان غالب أو مغلوب كما درجت عليه العادة اللبنانية منذ أن تشكلت الجمهورية، وبالتالي تأجيل المشكلة كما يحصل منذ سنوات طويلة.

في هذا السياق، يكشف زوار الرابية أن الموضوع ليس سلسلة رتب من هنا أو غلاء معيشة من هناك، بل هو أكبر من ذلك بكثير، أنه كناية عن صراع سياسي يرتدي بين الحين والآخر عناوين اقتصادية واجتماعية مختلفة، بدليل أن ملف الغاز الذي يعيد الدورة الاقتصادية إلى نصابها في غضون سنوات معدودة لم يبت به حتى الآن لأسباب سياسية بامتياز، كما أن الموازنة معطلة منذ العام 2005 ووزارة المالية تعمل وفق القاعدة الاثني عشرية منذ ذلك الحين مع ما يعنيه ذلك من شلل ليس فقط على مستوى الانماء والبنى التحتية إنما أيضاً على صعيد الحياة الاقتصادية بشكل عام، بيد أن تعطيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي بعد أن أثبت جدواه في كيفية التعاطي مع المجتمع المدني ورجال الأعمال على حد سواء، إضافة إلى تفريغ الهيئات الاقتصادية من مضمونها الحقيقي وشرذمة النقابات لم يأت بالصدفة ولا من فراغ، بل استناداً إلى خطة غير معروفة الأهداف الحقيقية وان كانت مؤشراتها تنحو صوب افلاس البلد ورهن سياساته العامة والخارجية لمصلحة الخارج ومشاريعه الطويلة الآمد.

وبعيداً عن الاجواء المرافقة للكباش بين هيئة التنسيق النقابية ووزير التربية الياس بو صعب، يعرب هؤلاء عن اعتقادهم أن حقيقة الصراع هي بين مكونات المجلس النيابي من جهة والمجلس النيابي والحكومة من جهة ثانية، بما يؤسس إلى تعطيل عمل الحكومة بعد تصاعد الخلافات بين كبار الكتل النيابية، خصوصاً أن الخلافات بباطنها ليست فقط على خلفية السلسلة وما يتصل بها، إنما تتمحور حول الاستحقاق الرئاسي أولاً ومن بعده قانون الانتخابات وما يليه من اعادة تركيب للنظام السياسي برمته، اضافة إلى مستقبل لبنان وعلاقاته الخارجية وانتماءاته الأساسية في ظل التحولات الاقليمية والدولية العاصفة به وبساحته الداخلية.

ليس بعيداً، تزامن ترحيل جلسة مجلس النواب مع مواقف حادة صادرة عن غالبية المرجعيات الداخلية، على غرار موقف رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط المؤكد على عدم انتخاب رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ولا رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون وهو سيبلغ هذا الموقف إلى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، اضافة إلى موقف متقدم من "حزب الله" جاء على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله يرفض من خلاله المثالثة ما يعني أنه يسعى إلى توسيع دائرة المكاسب والشروط استناداً إلى المعادلات الراهنة، ناهيك عن موقف ملتبس لتيار "المستقبل" يراوح بين هبة باردة لتسهيل انتخاب رئيس جديد وأخرى ساخنة تعيد الأوضاع برمتها إلى المربع الأول، خصوصاً أن كل الملفات باتت مرتبطة بشكل وثيق وغير قابل للحلحلة إلا من خلال سلة واحدة، وهذا ما يبدو صعب المنال نظراً إلى الإرباك الحاد على أكثر من صعيد ومستوى.

كل هذا يزيد التخوف من العودة إلى الشارع عبر بوابة المطالب الاجتماعبة، من دون أن يعني ذلك أن التحركات ستقتصر على هذا المستوى، في ظل خشية متنامية من البحث عن أسباب لتعطيل العمل الحكومي واستدراج الفراغ في أعلى مراتبه ليتحكم بمسار الأمور وليفسح في المجال أمام كبار اللاعبين بتمرير مشاريعهم وتظهير حقيقة ما هو مرسوم للبنان الدولة والكيان على حد سواء.