لقد تأخر كثيراً هذا الموعد

واذا ما لبّاه العالم العربي بكل طوائفه فإنّ ذلك يعني بأنّ المشرق بدأ يعيش أزهى مراحله التاريخية، وإن غَدَهُ سيكون خصباً وواعداً بالتحوُّلات الفكريّة، والسياسية، والاجتماعية...

وأن مفردات الفكر الحضاري، ومنها الحرية، والسيادة، والاستقلال، والعيش المشترك، تكون قد عادت اليه بعد غياب، فاستعاد ثقته بذاته، وانطلق متحرراً من عبث الاجنبي ومشاريعه، ليحاكي أرقى المجتمعات الكونيّة المتقدمة.

لقد تأخر كثيراً هذا الموعد...

ولكنّ، ها هي "المسيحية المشرقية" تتأهّب لتلبيته.

فمع نهايات القرن الماضي بدأت " المسيحية المشرقية" تتّجه نحو حقيقتها التاريخية.

وكان ابلغ تعبير عن الحقيقة الارشاد الرسولي الذي وجّهه قدسة البابا يوحنا بولس الثاني إثر "سينودوس الرجاء من أجل لبنان" متضمّناً عبارات لا تزال ماثلة في في أذهان اللبنانيين ومنها: "ان مسيحيي لبنان مدعوون الى ان يبنوا مع اخوانهم المسلمين في لبنان والبلدان العربية، مستقبل عيش مشترك، وتعاون، وحوار، يهدف الى تطوير بلادهم تطويراً انسانياً وأخلاقياً يساعد على تحقيق الخطوة ذاتها في بلدان الشرق الأوسط"...

وبعد ذلك، واثر انعقاد السينودوس من أجل مسيحي الشرق الأوسط في العشرين من شهر شباط الماضي، اكد الناطق باسمه الأب الدكتور عبدو ابو كسم ما يلي: "تكمن قوّة مسيحيّي الشرق، انطلاقاً من لبنان، في التمسّك بجذورهم وتاريخهم المشرقي، وبعدم الاستقالة من دورهم الريادي، الذي يسهم في بناء النهضة العربية ونشر مبادئ العدالة والسلام في المجتمعات المشرقية، والتعاون والحوار مع الطوائف الاسلامية، على اعتبار اننا جميعا من ابناء هذه المنطقة "ولسنا من الطارئين عليها".

وكانت الكلمة التي ألقاها غبطة البطريرط الجديد مار بشارة بطرس الراعي، اثناء حفل تنصيبه في الخامس والعشرين من آذار 2011، فيها من الانقتاح على الحوار مع الشركاء في الوطن، ومع الإسلام، ما يشير الى ان الموعد مع المسيحية المشرقية بات على الأبواب.

أما الخطوة الواقعية الأولى في المسيرة المؤدية الى تلبية موعد "المسيحية المشرقية مع التاريخ" فلقد شهدناها منذ سنة، عند بناء كاتدرائية باسم مار مارون في بلدة "براد" الحلبيّة، حيث ولد وتوفي قداسته، بحضور جمهور كبير من رجال الدين والمواطنين اللبنانيين والسوريين.

واذا ما أضفنا الى ذلك، إقامة تمثال للقديس مارون، في روما، رفعه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر على حائط "بازيليك" القديس بطرس في ساحة الفاتيكان قداسة البابا، في إطار السنة اليوبيلية بمرور 1600 سنة، على وفاة القديس اللبناني" فان في ذلك، ما يشير بأن "المسيحية المشرقية"، تُثبّت حضورها في العاصمة المسيحية الغربية لتنطلق الى العواصم الإسلامية الشرقية، والبدء بمسيرة، ستكون يد الله حاضرةً لإحتضانها، ووأدها بالنجاح، والفرح، والسلام.

"والمسيحية المشرقية" لبست هبةً منحت للمسيحيين، وانما هي إرث تاريخي، لا يستطيع احد انتزاعه منهم، او الادعاء بالتكرّم به عليهم.

فلنقم برحلة سريعة في تاريخ شعوب واديان هذه المنطقة من العالم، ولنتلمّس بالعقل والقلب، وحدة الجذور وغلبة أسباب ما يجمعنا على ما يفرقنا، ولنرسم لأنفسنا نهج حياة جديد، ينبع من تاريخنا الحقيقي، الذي اهمله الباحثون الغربيون، وبعضهم من موقع متعصّب، اذا لم نقل عنصري، كما اهمله بعض العرب، بلادةً، أو خمولاً، أو اتباعاً، لاساتذة غربيين مستشرقين.

ولنسأل أنفسنا، أولاً، أَعرب نحن ؟...

يؤكّد "جدول الانساب" المدوّن في العهد القديم، بان سكان المنطقة العربية، ينتسبون، منذ تسعة آلاف سنة الى أصل واحد، عرف بالأصل السّامي، وهو يضمّ العرب القدامى والبابليين، والأشوريين، والأكاديين، والكنعانيين، والفينيقيين. وإن الوحدة هي الأصل بين هذه المكونات السّامية في الاطار الجغرافي الواحد التي سهلت التعاطي الإيجابي، والتخاطب الموحّد، لتأتي عوامل مختلفة فيما بعد، وتجعل منها نموذجاً ناجحاً لتجربة حضارية مؤقتة.

فالكنعانيون كانوا يخرجون من البادية العربية، في موجات هجرة على ما أكّده المؤرخون جواد علي وابن سوسه، وخصوصاً المتشرقان "دنسو" و "مونتو غومري"، هجرةٍ أعظمها شأناً، كان ما حصل بين 3000 و 2900 سنة قبل المسيح، الى درجة أنها طغت، قوةً، وعدداً على السكان الأصليين، فكان الفينيقيون في لبنان يمارسون التجارة البحرية في العالم والأموريون في سوريا والأكاديون في بلاد ما بين النهرين، وقد تعاطوا الزراعة والتجارة البحرية.

وإثر ولادة المسيحية كان من الطبيعي ان نتوجه الدعوة الى اقرب الناس وهم العرب، فراحت "أبرشية المخيمات" تنتشر انطلاقاً من ضفتي الأردن ومن الناصرة، باتجاه حوران، وفي منطقة كان سوادها الأعظم من العرب "الأيدويين"، ومن "البيطوريين" بدءاً من لبنان والأردن، وصولاً إلى بعلبك، مروراً بمملكة دمشق، التي بشّر فيها بولس الرسول بالمسيحية، وحتى مملكة "الرّها"، حيث يؤكد المؤرخ الروماني "بلينوس"، بان ملكها راسل السيد المسيح ورحّب بتعاليمه وأيّدها...

ويقول المؤرخ البريطاني "سبنسر ترمنغهام" في كتابه "المسيحية بين العرب في العصور السابقة للإسلام" بان الجموع التي كانت تحتشد حول المسيح وهو يبشر، كانوا عرباً، حتى ان المهتدين بالبشارة المسيحية، خارج نطاق الرسل، كانوا عرباً صرفاً...

هذا ومن مظاهر الحيوية العربية في القرنين الثاني والثالث بعد المسيح، حرصها على حماية المسيحية. من خلال أسرة "ساويروس" السورية التي استولت على العرش الامبراطوري الروماني، خلال القرن الثاني (193م) وخصَّ احد افرادها الامبراطور "فيليبوس" (من بلدة شهبا – جنوبي سوريا) المسيحية الأولى برعاية، وحماية مميزتين، من خلال الأمبراطورية الأولى التي تولاها لخمس سنوات (244-249م).

نحن اذاً في الإجابة على السؤال الأول مسلمون، ومسيحيون، من أصل واحد، تعاقبت عليه الحضارات، فأغنته، ولكنّه انشغل بنفسه في انقسامات غير مبررة، فوقع ضحية انغلاق حرم العالم من التعرّف على تراثه الحقيقي، وبات لا يقدّم للإنسانية ما في الذوق العربي من فرادةٍ ولا يلقح كيانه بالنضال الإجتماعي. أليف الحضارات الأخرى، مبتعداً عن حاجات الإنسان الحقيقية، لتتحكم به سياسات الإفقار والجهل، التي حالت دون استمراره في المساهمة ببنيان المدنيّة الإنسانية الكبرى...

أمّا السؤال الثاني فهو التالي:

أين تتعارض ديانتنا المسيحية والإسلامية؟ وأين تتلاقيان؟

إنهما تتلاقيان.

لقد انطلقت الدعوة المسيحية من "علَّية أورشليم" يوم "العنصرة" حيث أعطى الروح القدوس التلامذة ان يتكلّموا بلغاتٍ مختلفة، وكان من الطبيعي أن تتوجّه الدعوة، بداية، الى أقرب الناس، وهم العرب، فراحت " أبرشية المخيمات" تنتقل من الأردن الى حوران وبلاد ما بين النهرين، وشاهدت المجامع المسكونية أسقف العرب الآتي من حوران، وتقبلت المعموديّة جماهير عربية كبيرة من العرب، فآمنوا بالله، واعترفوا بالمسيح، وأقاموا الكنائس في مضاربهم، ما يؤكد أن للمسيح، منذ فجر التاريخ، حضوراً بارزاً في العروبة، التي لمع في براريها القديسون، واعتبرت صحراؤها مقراً للمؤمنين الآوائل وهذا ما يدعو المسيحيين الى إلتماس آثار المعلِّم في القرآن الكريم.

ومن الملفت أن بعض القبائل العربية وبخاصة "الغساسنة" لعبوا دوراً هاماً في التخفيف من صدمة التغيير الحضاري، والعقائدي المفاجئ، على هذه البقعة في العالم، بعد دخول الاسلام، ما جعل المسلمين الآوائل يميلون بعاطفتهم الى المسيحيين...

فمنذ بدايات الاسلام والقرآن الكريم نفسه كان واضحاً بهذا الشأن:"ولتجدنَّ اقربهم مودّةً للذين آمنوا، الذين قالوا إنَّا نصارى، ذلك بأن منهم قسّيسين، ورهباناً، وانهم لا يستكبرون".

أمّا الرسول الكريم، فلقد كان تعاطفه مع النصارى واضحاً، وهو تعاطف خصَّ به هرقل عظيم الروم، ونصارى الاقباط، كما خصَّ سماحه مسيحيّ نجران بالصلاة في مسجده، واعجابه ببليغ العرب "قس بن ساعده"، كما وقد كان له موقف عندما بلغه بأن "فارس" قد غلبت "الروم"، فقال لهؤلاء: " لا تخافوا، فأنتم " أهل كتاب" وستغلبونهم بعد سنين قليلة"،... وهذا ما حصل...

وذلك يدلُّ دليلاً قاطعاً الى ان العلاقة بين المسيحيين والمسلمين، كانت علاقة أخويّة ومتسامحة، منذ بداية الدعوة المسيحية وبعدها. بالرغم من بعض الخلافات العقائدية واللاهوتية. فمن موقف الخليفة عبد الملك، عندما دخل عليه الأخطل الصغير (الشّاعر المسيحي)، وهو ثمل والصليب يتدلّى من عنقه، فضحك الخليفة وقرّب الأخطل اليه كما يفعل الأخ مع أخيه، الى القديس يوحنا الدمشقي، أحد ابرز مفاخر الكنيسة (650-740) وصاحب "ينبوع الحكمة"، الذي نشأ في البلاط الأموي، مجاهراً بلاهوتيّه، ومجادلاً فيها كبار الدين الاسلامي حينذاك، دون خوفٍ على عقيدته وسلامته، وفي ذلك، كان يؤكد على روح التسامح بأدقّ معانيه، لدى معظم الخلفاء الامويين، الى الإمام الاوزاعي الذي واجه العباسيين بموقف شهير عندما أوقعوا الظلامة بالموارنة خلال ثورة "المنيطره" (756-760) عندما تأكد له بانهم لم يشاركوا في تلك الثورة (وكان الامام لا يخشى قولة الحق مدافعاً عن المظلوم داعياً الى الأخوّة الانسانيّة)، وهو موقف جعل المؤرخين ينوّهون بما ترك ذلك في نفوس النصارى الذين حضروا جنازته، باكين مع اهله، ومتفجّعين...

وبالمقابل، فلقد وقف البطريرك "يوسف الجرجوسي" منتفضاً في وجه الأمير الصليبي "كلورين" عندما طلب منه عدم الاعتداء على أمراء مدينة بيروت المسلمين، وابنائها الذين وصفهم بالأبرار.

وفي هذا الاطار تسجّل النقمة المسيحية في وجه الغزاة الصليبيين، عندما تغطرسوا وتجاوزوا ما كان يطلبونه منهم لحماية المسلمين، ما أدّى الى اشتباكات جعلتهم يحتلون جبة المنيطرة بمساعدة السلطان نور الدين محمد زكي، ما أثار غضب امير طرابلس الصليبي "بونس" (Pons) فوضع يده على أبرشية البترون، وراح ينكلّ بابناء "جبّة بشرّي" وذلك ما أثار البطريرك "يوحنا اللحفدي"، فترك مقرّه، وتوجّه الى "ميفوق" لاثبات استقلال الطائفة المارونية عن الصليبيين، فاستعانوا مجدداً بالسلطان "نور الدين محمد زكي"، فأمدّهم بالسلاح، ما مكّنهم من احتلال سهول طرابلس الجنوبيّة الشرقيّة، وقتل الأمير "بونس" ما نتج عنه غضب ابنه "ريمون" واعلانه حرباً انتقاميّة طالت الشّيوخ، والنّساء، والأطفال...

أمّا الحقبة العثمانية، فلقد تميزت بدايتها بتسامح، وتعاون، وكان أبرزها وقوف أمراء مسيحيين في غرب أسيا الى جانب الجيش العثماني للتخلص من الحكم البيزنطي، فتمتّع البطريرك الأورتوذكسي بوضع مميز، بحيث تبوأ مكانة رفيعة في السلطنة، وباتت الدولة العثمانية مختبراً رائعاً للتعددية الدينية والعرقية، حتى بداية الإمتيازات الأجنبية و"المسألة الشرقية" التي راحت تشكّل خطراً على سلامة السلطنة.

إنّها مقتطفات تاريخيّة سريعة، اخترنا بعضها للإجابة على الجانب الأول من السؤال الثاني. حول "أين تتلاقى دياناتنا المسيحية والإسلامية ؟ ".

أمّا الجانب الثاني من السؤال فهو حول "أين تتعارضان ؟". فإنّ الإجابة عليه تلقي الضوء على ما تضمّنته هذه الإجابة من ظلامات تعرضت لها "المسيحية المشرقية". توزعت مصادرها بين هيمنة المؤسسة الدينية الإسلامية، وعدم الفصل بين الديني والدنيوي، استجابة لعدة أسباب، منها ما يعود الى تمسك المسلم بدينه، والإعتزاز به، وعدم الذهاب الى عقلنة الفكر الإسلامي، ومنها الضغط الذي تعرض ويتعرض له الإسلام على أيدي القوى الخارجيّة، تحت عوامل معظمها سياسي واقتصادي، وغالباً ما كانت ممارستها مشينة بحق الإسلام، أو على الأقل منغطرسة وظالمة، وكانت بالنهاية ترتدّ على المسيحيّة...

ولقد كان أحد أوجه النقد للفتوحات الإسلامية حول نظام "أهل الذمة" الذي يعنى اخضاع غير المسلمين للإسلام، كمؤسسة سياسية واجتماعية. ينقسم المجتمع فيها بين مسلمين (أصحاب السيادة) وبين "أهل كتاب" (في درجة أدنى)... فكان غير المسلمين أمام ثلاثة خيارات، اما الحرب، أو اعتناق الاسلام، او الاحتفاظ بدينهم، ودفع "الخراج على الأرض"، "والجزية على الرأس" لقاء الحصول، ولو نظرياً على حماية الدولة، وهذا ما جعل المسيحية في الجزيرة العربية، وبلاد الشام، تختفي بسبب ثقل الجزية، والازدراء الاجتماعي، الذي نسبه الخليفة عمر بن الخطاب الى ان "المسيحيين" ينشرون الوباء في الجزيرة، قبل أن يجتهد ويقول "بأنه لا يمكن بأن يجتمع دينان في جزيرة العرب". بمن فيهم مسيحيو نجران، الذين حملوا "عهد الرسول".

لا نريد بان نذهب الى الأسباب التي جعلت الدولة الاسلامية تطبق نظام "أهل الذمة" التي تراوحت بين الدينية والاقتصادية، ولكننا نكتفي بالاشارة الى موقفين لإثنين من الحلفاء.

الأول، المتوكل على الله العباسي (822 – 861) الذي اتخذ تدابير قمعية ضر غير المسلمين وارغمهم على التقيد كلياً "بالشروط العمرية" فيما يتعلق بلباسهم ومظهرهم الخارجي.

والثاني الحاكم بامر الله الفاطمي (985 – 1021) الذي تعرض المسيحيون خلال حكمه (وفي بعض الأحيان المسلمون) للظلم والقتل والمصادرة، ثم الى هدم الكنائس والاديار، ومنها "كنيسة القيامة". مع الاشارة الى غرابة شخصيته من خلال سماحه للمسيحيين الذين اعتنقوا الاسلام، بأن يعودوا من جديد الى ديانتهم الأولى، من دون ان يعاقبوا على ارتدادهم.

وفي عهد الخليفة بن عبد العزيز، فرضت قيود قاسية، وتمييز مذلّ على أهل "الذمة"، واستقدمت القبائل العربية والاسلامية الى الثغور والسواحل اللبنانية، فانكفأ المسيحييون الى الجبال وبات "جبل لبنان" جزيرة مسيحية في بحر الاسلام.

وعند خروج الصليبيين من المشرق لم يسلم المسيحيون منهم، ولا من بقايا السلاجقة والمماليك الآتين الى الاسلام، الذين اعتبروا ان قسماً من المسيحيين، وتحديداً الموارنة، قد ساعد الصليبيين، ما جعلهم يقومون بالتنكيل بهم، فهاجر جزء منهم الى قبرص، وتعرّض الباقون للعقاب والاضطهاد، وبخاصة مسيحيو كسروان، الذين كانوا ينتشرون باتجاه بيروت، وفي المتنين الشمالي والجنوبي، وتكاثر بذلك عدد المسلمين.

ان ما ذكرناه حول الظلامات التي تعرّضت لها "المسيحية المشرقية" بدءاً من الخلافة الأموية وحتى بداية السلطنة العثمانية لم تكن ناتجة عن حقيقة الدين الاسلامي، الذي يخلو كتابه من ايّة اشارة الى استعداء المسيحيين، كما يتّضح من مواقف الرسول الكريم، وتعاطفه، وتسامحه مع المسيحيين على النحو الذي ذكرناه ردّاً على الجانب الأول من التساؤل الثاني، حول "أين تتلاقي ديانتانا".

وانه لمن المنطق "والموضوعية" ان ننسب ذلك الى ذهنيّة بعض الخلفاء وبعض القادة، فالجزية المفروضة على أهل الكتاب (والتي أعفي منها الصغار والعجزة والرهبان والقسيسون، والفقراء والنساء) لا تفرض إذلالاً بل حماية واذا لم يكن هنالك من مبرّر لهذه الحماية، فتردّ أموال الجزية الى اصحابها، وهو ما حصل عندما غادر خالد بن الوليد وأبو عبيدة الجراح البلاد الشامية. وكذلك التعامل مع المسيحيين "كأهل ذمّة"، والنيل من منزلتهم الاجتماعية، فإنّ كبار المفكرين، المسلمين يؤكّدون بأن الدين الاسلامي لا يجيز ممارسة اي ظلم بحق "أهل الكتاب"، ونجاحة النصارى منهم، لأن ذلك ينال من حقيقة الاسلام الصحيح في بليغ معانيه وسموّ مقاصده.

اما الذي حصل خلال الحملة الصليبيّة، فانه نتيجة استغلال الدافع الديني الذي حمل البعض للوقوف الى جانب الصليبيين، ما أثار بعض المسلمين على ردّ فعل نال من بعض المسيحيين، فيما فهم البعض الآخر من مسيحيين، ومسلمين، بان الحروب الصليبية لم تكن حروباً دينية، وإنما كانت حروباً سياسية واقتصادية.

وخلال العصر العثماني، وبعد ان نعم المسيحيون بالتسامح الاسلامي، جاءت الامتيازات الأوروبية، التي بدأت بإتفاقية تمّت بين فرنسا ممثلة بالملك فرنسوا الأول وبين الدولة العثمانية ممثلة بالسلطان سليمان القانوني (1520 – 1566)، فكانت نقطة تحوّل في السياسة الدولية، انتقل فيها الاستعمار من اقاصي الغرب الى البلاد الشرقية، وراح روّاد "الثورة المشرقية" يتوافدون، فإذا بروسيا تزحف باتجاه البلقان وتعقد مع السلطنة معاهدة "خنكار اسكله سي" (1833) وفق استراتيجية ترمي الى إبقاء جارتها العثمانية ضعيفة، واذا ببريطانيا تسارع لإقامة قاعدة يهودية في الشرق (وطن قومي يهودي) سنة 1840، لما يشكل ذلك من بعد عسكري وسياسي للمسألة اليهودية عام 1917، وتحاول الاستفادة من قناة السويس، ومن نفط العراق بضم الموصل اليها، بموافقة عصبة الأمم. اما المانيا، فلقد كان خط حديد بغداد موضوع صراع بينها وبين بريطانيا.

وهكذا أصبحت اطماع أوروبا في المشرق العربي في صميم خطة عمل الدول الأوروبية الكبرى التي توزعت بالإضافة لمصالحها الإقتصادية ودعماً لها، رعاية الاقليات المشرقية، من خلال ما عرف "بالمسألة الشرقية" للموارنة والكاتوليك لفرنسا، والنمسا، والارثوذوكس لروسيا، والدروز والشيعة لبريطانيا.

وباتت مسيرة "المشرقية المسيحية" بالتالي ذات وجهين: الأول وهو مشرقي خالص، والثاني وهو مشرقي فارسي بيزنطي، ما لبث ان تحوّل بعد أربعة قرون على أنسحاب الغزوة الصليبية وانقضاض الدول الأوروبية الكبرى (فرنسا – بريطانيا – المانيا – روسيا – النّمسا) الى وجه آخر، اختلطت فيه المطامع السياسية والاقتصادية بما بات يعرف بـ"لعبة الأمم" التي كانت وراء الحروب المتتالية في بلاد الشام، والعراق، ومصر، وفلسطين، والسودان، ولبنان، بما عرف بالمواجهات المصرية – العثمانية في لبنان وبلاد الشام – والفرنسية في مصر وفلسطين والروسية – العثمانية في البلقان والبريطانية الفرنسية في العراق وفلسطين ولبنان، وبما عرف بأحداث 1840 و1860 و1958 و1975 والأجواء الطائفية والمذهبية الحالية في لبنان (حروب 1967 و1973 و2006)، والحبل على الجرار.

وعليه، فلقد أصبحت "المشرقية الجديدة" مقر اجتماع الأمم "ومسرحاً للعبتها"، وكاد المسيحيون ينسون أدبيات "المشرقية" التاريخية كأهل "الذمة"، "والجزية"، "والعزلة الاجتماعية" لتحلّ مكانها أدبيّات جديدة كالخوف من "الاقتلاع" و"التهجير"، وفقدان الحقوق، الخ....

وبعد،

لقد آن الآوان لإخضاع ذواتنا لسيادة العقل والمنطق والواقعية بعد ان ملأت الوساوس صدورنا وأحاطت بقلوبنا الهواجس.

فكيف يخشى المسيحيون – وكيف يفكر المسلمون باقتلاع، المسيحيين من وطنهم، وأرضهم، التي جبلها آباؤهم وأجدادهم بعرق الجبين، وسقوها بجداول الكرامة، وتبارك أديمها بأجسادهم؟...

وبعد ان تبوأت "المشرقية المسيحية" مرتبةً متقدمة في أدبيات، المتنورين والمفكرين والعديد من رجال الدين، كالمغفور له السيد محمد حسين نضلله، والمطران جورج خضر، والأب يواكيم مبارك، ومحمد السماك ورضوان السيّد، وغيرهم، وغيرهم... فلقد أصبح من الطبيعي ان نتساءل: ما هي "خطة طريق" المستقبل التي يجب الاعداد لها، كيما تكون "المشرقية المسيحية" على موعدها مع التاريخ....

إنّ كل موعد يستطرد لقاءً

وكل لقاء يتطلب حواراً

وكل حوار يفرض الإعداد له بصدق، وشفافية.

وبعيداً عن المصادر والأساليب المتحجّرة التي تنسبُ الى الله ما ليس فيه وذلك، لا لتقريب وجهات النظر وحسب، وإنّما أيضاً لإزالة كل موضوع خلافي يمكن بأن تعدّه جهات شرّيرة، أو غير عاقلة، وغير مفكّرة، من الداخل كانت، أو من الجهات التي درجت على استخدامها المصالح الأجنبية خلال القرون الماضية.

ما هي الوسائل التي يجب إعدادها لإنجاح ذلك الموعد ؟

بإلغاء الطائفية يقول بعضنا...

قد يكون ذلك ممكناً على الصعيد اللبناني، وبخاصةٍ، بعد ما شهدناه في الماضي القريب من مظاهرات شبابيّة حاشدة، تحت شعار: "لا للطائفية".

وصحيح ان الدستور اللبناني نصَّ إثر اتفاق الطائف على تأليف هيئة وطنية لإلغاء الطائفية، ولكن هذا النص لم يحدّد مهلة للإلغاء، وبقي حتى الآن، وبعد عشرين عام على اقراره، في الجوارير المقفلة. ما يشير الى ان هذا الإلغاء قد يكون صعباً في لبنان، في وقت قريب على الأقل.

ولكنه أكثر صعوبة في العديد من الدول المشرقية، حيث تهيمن المؤسسة الدينية، ويصعب عدم الفصل بين الديني والدنيوي، ما جعل المسلم يبتعد عن تجربته التاريخية، ويخشى أن يكون فاعلاً في هدم ذاته من الداخل، ما يجعل من شأن أي خروجٍ عن المسلّمات الحالية في الوقت الراهن ان يسبب ردّة فعل اسلامية سلبيّة من خلال استيقاظ الوعي الاسلامي التراكمي التاريخي، حول اشتداد ظلم الغرب المسيحي تجاه الشرق الإسلامي، على نحو ما جرى في فلسطين، والعراق، ولبنان، وذلك ما يقوّي الاصولية المتطرّفة التي تكفر المسلمين قبل المسيحيين، وتصعق دور المسلمين المتنوّرين، والتقدّميين والعلمانيين...

وهكذا، فاذا كان الغاء الطائفية على الصعيد المشرقي مؤجلاً. فالبديل عنه هو: أحد وجوه العلمانية.

غير أنّ للعلمانيّة وجوهاً متعدّدة.

فمن علمانية الأب ميشال الحايك، الذي يرى فيها "وسيلة لتبقى المسيحية شهادة للشرق على أهمية التعدّد السكاني، ودعوة مستمرّة للحريّة، واختباراً للقاء الروحي ولإرادة التجدّد والإبداع" كما يراها مبادرة اساسية للشهادة المسيحية في الشرق، كما يراها حلاًّ للقضية الفلسطينية، داعياً المسيحيين الى ان يساهموا في علمنة الصراع الانساني والاستناد عند الحاجة الى القيم الانسانية الموجودة في الأديان التوحيدية، الى علمانية الأب "يواكيم مبارك"، الذي يرى بأن اللاهوتيين ليسوا على موقف واحد من العلمانية، ولكن ما يجمعهم هو جوهر المفهوم العلماني، الذي يتمثّل بالفصل بين السلطتين الزمنية والمدنية، ولو بدرجات متفاوتة، الى علمانية المطران "جورج خضر" الذي يراها مترادفة الى الدولة المدنية، والتي لن تكون ممكنة في جميع بلدان المشرق قبل ان تبلغ هذه البلدان درجة من الازدهار الفكري والاقتصادي، الى المطران "غريغوار حداد" الذي يطالب بعلمانية شاملة، الى ما يراه الكاتب التونسي لطفي حجّي، بأن التعايش الاسلامي – العلماني هو اليوم من الأولويات الناشئة، التي تدفع الى جمع القوى السياسية المختلفة، على أرضيّةٍ مشتركة حول القاسم الديني المشترك، لأن الدين أصبح محرّكاً للسياسة في بلداننا سواء من القوى السياسية ذات الخلفيات الدينية، أو من القوى المخالفة التي باتت تبحث هي الأخرى عن موقع الدين في برامجها السياسية والانتخابية.

واذا ما توصلت هذه الأطراف الى أرضيّةٍ مشتركة فانها تكون قادرة على تبنّي مجتمع حديث، يعيش فيه العلماني والمتديّن من دون خشية من الانتكاسات نحو الاستبداد، مرّةً، ومرّة باسم الحداثة.

قد يكون صعباً في وقت قريب ليس فقط في لبنان، وإنما أيضاً، وأكثر صعوبة في بعض الدول المشرقية حيث تهيمن المؤسسة الدينية، وحيث يصعب عدم الفصل بين الديني والدنيوي، إضافةً الى الضغط الذي يتعرّض له الإسلام من جانب الدول الأجنبية ما يجعل المسلم لا يبتعد عن تجربته التاريخية.

وعليه فأيّ نقد للإسلام في الوقت الراهن من شأنه أن يسبّب ردّة فعل إسلامية جماهيرية، سلبية، من خلال إستيقاظ وعيه التاريخي حول إشتداد ظلم الغرب المسيحيّ تجاه الشرق الإسلامي على نحو ما جرى في فلسطين، والعراق، ومصر، ولبنان، وهو ما يقوّي ساعد الأصولية المتطرفة التي تكفّر المسلمين قبل المسيحيين، وتضعف المسلمين المتنوّرين والعلمانيين.

إنّ العقبات التي تواجه إلغاء الطائفية واعتماد العلمانية بأي وجه من وجوهها هي عقبات كبيرة في ظاهرها، وإن لم تكن أفق التغيير مغلقة تماماً أمامها، ولكن ما هو مستحيل الآن، ربما يصبح مقبولاً في المستقبل. فعندما كان الفيلسوف "سبينوزا" (Spinoza) يفكّر ويكتب في عزلته حول إخضاع الديني للزمني، كانت العلمانية تعتبر تصورات وهمية، ولكن التاريخ أثبت عكس ذلك، ما جعل مئات الفلاسفة يعتبرونه أباً للدولة العصرية التي قوامها العلمانية.

وبالتالي فإن رفض الكثيرين من المسيحيين والمسلمين للعلمانية لا تغلق باب المناقشة حولها والاقتراح، والتحرّي، وخصوصاً في ظل دولة ديمقراطية عصرية ومتحضّرة.

وهكذا، فإن الطريق الثالث الذي يقتضي علينا البدء بسلوكه في المسيرة المشرقية المسيحية هو الحوار، وهو الباب المفتوح أمام كل الطوائف، والصعوبات التي تواجه "المشرقية المسيحية" في إطار عودتها الى الجذور بالتفاهم والتآخي والتعامل معاّ من أجل مستقبل أفضل، فإنه يبدأ عبر البحث عن حل جميع المشاكل، ليس فقط بهدف توفير ما تنشده المسيحية من أمن واستقرار وحرية وكرامة، وإنّما أيضاً لتوظيف قراراتها التي يعترف القاصي والدّاني بوفرتها وتألّقها في خدمة الإسلام والعروبة، فتكوّن بذلك جسراً يربط الشرق بالغرب، وعنصر حوار بينهما، يرمي في النهاية الى أن تصبّ نتائجه في مصلحة الشرق الذي لا تزال، ولن تبرح، جذورنا راسخة في أعماقه الى جانب إخوتنا فيه مسيحيين كانوا أو مسلمين وعرباً كانوا أو من الأقليات الإثنية.

إلى الحوار إذاً،

وفي صلب جدول أعماله اسئلة، يقتضي البحث عن أجوبة عليها.

فمن يعيد للمشرق من هجّر، أو هاجر من مسيحييه. وقد قدر عددهم بالملايين بين مصر، العراق، وفلسطين ولبنان؟

ومن يحمي من تبقّى منهم، ويدفع عنهم مخططات الدولة اليهودية، التي يتناقض وجودها، واستمرارها، مع توافق المسيحيين والمسلمين المشرقيين؟

ومن يدفع شرور التكفيريين، ومن وراءهم؟

وهل يستحيل اقناع المسيحيين في الابتعاد عن الأخطاء الاستراتيجية لبعض قياداتهم السياسية، والدينية، وفي تحصينهم امام اغراءات المال والمناصب الحكومية.

وهل تتحرك النخب الاسلامية للقيام بواجبها الديني والمدني في تنوير الرأي العام الاسلامي، كيما ينأى ويحبط الدعوة، المتعصبة لاجتثاث المسيحية في دار الاسلام، واغلاق الباب في وجه القمع، والمطالبة ببعض القوانين، وتعديل السياسات المتبعة، بما يضمن إقناع المسيحيين بها، ويمنع استقواء بعضهم بأطراف خارجية جاهزة دائماً الى التدخل، مع التنويه بأن التجارب التاريخية، دلّت بأنها لا تضمر الخير لهم، ولا المسلمين؟...

وهل يقتنع الجميع، مسلمين، ومسيحيين، بأنه لا يجوز بعد اليوم، الاختلاف بسبب "الجزئيات"، بل الاتفاق على "الكليّات" التي يمكن إيجازها بشعار الايمان بالله الواحد، والكل على طريقته؟.

ومن هي الجهة المؤهلة لشرف القيام بهذا الدور التاريخي؟

ازاء الانقسام الذي يسود القادة السياسيين اللبنانيين في هذا الظرف الاستثنائي والخطير فيجعلهم فاقدين القدرة على القيام بهذا المهمة.

ومهما قيل عن أدوار سلبية لعبها بعض رجال الدين، فان القلوب، والعقول، والضمائر، متجهة اليهم، بصفتهم سفراء الله على الأرض.

أمّا نقطة انطلاق هذا الدور، فان لبنان هو الأكثر جهوزية للقيام به، لكونه الأوفر تجربة في هذا الموضوع، كان، ولا يزال، بالرغم من الاخطاء والصراعات التي توالت عليه بصورة دورية، الدولة المشرقية الأكثر تشوّقاً، الى تنظيم العلاقات المسيحية الاشسلامية.

وانني أرى بأن المقام البطريركي الماروني المرجعية المسيحية المدعوّة للقيام بهذه المهمة التاريخية، من خلال الخطوات التالية:

1- دعوة المراجع الروحية المسيحية والاسلامية الى مؤتمر يشترك فيه علماء، ومفكرون، وفقهاء، ومجتهدون في شريعة الاسلام، واللاهوت المسيحي، تكون مهمتهم معالجة المشكلات التي تواجه الحوار، بحيث لا يجوز الاختلاف على الجزئيات فيما يجب الاتفاق على الكلّيات التي تميّز بينهما، مهتدين بما جاء في الكتابين المقدسين، وما اعتمده اللاهوتيون والمجتهدون، والمسلمون، وأئمّة الفكر، ووضع "ميثاق شرق" يستند الى بليغ معاني وسموّ تعاليم الديانتين، ويهدف الى نبذ الظلم، والحقد، والكراهية، وإقامة أوثق عُرى التعاون، والتعاطف، والاحترام بين أبنائهما...

2- وتشكل خلال هذا المؤتمر "مجلس مسيحي اسلامي مشرقي"، يقوم البطريرك ورؤساء الطوائف الأخرى، أو من يمثلهما بزيارة العواصم المشرقية الاسلامية لعرض أسس ميثاق المجلس على المسؤولين السياسيين والروحيين، واضافة التعديلات التي يمكن اضافتها، مع الحفاظ على مضامينه الأساسية.

3- ضمّ ممثلين عن تلك الدول المشرقية الى عضوية المجلس التأسيسي، بالمواصفات عينها التي اعتمدت في ذلك المجلس.

4- اقامة فروع للمجلس في عواصم جميع الدول الأعضاء، تبدأ على الصعيد الوطني، ثمّ تمتد الى جميع أقاليم هذه الدول.

5- يقوم المجلس المركزي في لبنان بتلقي تقارير الفروع الوطنية والإقليمية في الدول الأخرى وبإرسال تقاريره وتوجيهاته الى هذه الفروع.

ان هذا المجلس بمرجعياته الدينية والمدنية، يكون قد قام بمهامه الحوارية المشرقية، متجاوزاً الطرق التقليدية السائدة، ويكون حدثاً سيترك أثره في سيرورة الزمن. ويفعل فعله في انسانية الانسان، ليس على الصعيد اللبناني والعربي وحسب، بل على الصعيد الكوني، ويكون بذلك قد أرضى الله، وابنه، ورسوله، وكتابيهما اللذين يستحقان بان نجعلهما منارتين مطلتين، ليس فقط على الدول المشرقية، بل وأيضاً، فوق الكرة الأرضية بكاملها، التي ستستحق بذلك بأن يطلق عليهما صفة" الكرة الأرضية الفاضلة".

ولد ​نبيه غانم​ في بلدة صغبين بالبقاع الغربي، واتم مراحل دراسته من الابتدائية حتى الثانوية في مدرسة الفرير في الجميزة.

حاز غانم على 3 شهادات جامعية، فنال شهادة الهندسة الزراعية من المعهد الزراعي الوطني في غرينيون بفرنسا، كما نال اجازة في الحقوق من جامعة القديس يوسف في بيروت، اضافة الى شهادة دبلوم الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة القديس يوسف ايضا.

شغل غانم عددا من الوظائف الادارية في لبنان وخارجه، بحيث تسلم رئاسة ادارة الثروة الزراعية في لبنان من العام 1958 حتى العام 1964 ، ورئاسة مصلحة زراعة البقاع من العام 1964 حتى العام 1970، ومن ثم رئاسة مصلحة التعاون في البقاع من العام 1973 حتى العام 1992، واخيرا تم تعيينه مستشارا لمجلس ادارة بنك بيروت للتجارة من العام 1992 حتى العام 1997.

كما عيّن غانم مندوبا للبنان لدى منظمة الدراسات الزراعية العليا لدول البحر المتوسط من العام 1980 حتى العام 1993، ونائباً لرئيس المنظمة نفسها من العام 1984 حتى العام 1986.

الى جانب الوظائف الادارية، عمِل غانم في مجال التدريس الجامعي، فعمل كأستاذ محاضر بمادة الاقتصاد في كلية الحقوق بالجامعة اللبنانية من العام 1978 حتى العام 1995، وكأستاذ محاضر بمادة الاقتصاد في كلية الزراعة بجامعة القديس يوسف من العام 1978 حتى تاريخه، اضافة الى تدريسه مادة الاقتصاد الزراعي في كلية الصيدلة في الجامعة اليسوعية منذ عام 2003 حتى تاريخه. كما عمِل غانم كأستاذ زائر بمادة الاقتصاد،في معاهد الدراسات الزراعية العليا في "" ايطاليا ، "" اليونان، و"" فرنسا، خلال فترة عضويته في منظمة الدراسات الزراعية العليا لدول البحر الابيض المتوسط من العام 1985 حتى العام 1993.

للدكتور نبيه غانم مؤلفات كثيرة منها، المشكلة السكرية في لبنان عام 1966، الزراعة اللبنانية وتحديات المستقبل عام 1972، التسليف الزراعي في خدمة التنمية عام 1984، الزراعة اللبنانية بين المأزق والحل عام 1998، مشروع قانون الزراعة عام 1996، خطة "التنمية الزراعية" للبناني عام 2009، و مشروع بحيرة الليطاني السياحي.