إذا صحّت المعلومات الصحافية الواردة من الميدان العراقي والتي تؤكد أنّ الجيش العراقي تمكن من استعادة المبادرة ولو بحدّها الأدنى، يمكن القول حينها أنّ الصدمة التي أحدثتها "​داعش​" في الأيام القليلة الماضية بدأت تؤتي ثمارها من خلال سيناريو دولي لإنشاء جبهة دولية عريضة بقيادة واشنطن نفسها تأخذ على عاتقها شن حرب خاطفة على التنظيم الإرهابي من خلال تنفيذ ضربات جوية ألمح اليها وزير الخارجية الاميركية جون كيري ومشاركة من إيران ومن سوريا وذلك بالتزامن مع عمليات ينفذها "حزب الله" على الحدود اللبنانية السورية بتنسيق كامل مع الجيشين اللبناني والسوري وبغطاء من تيار "المستقبل" الذي كانت له مواقف صارخة بهذا الخصوص جاءت على لسان وزير الداخلية نهاد المشنوق في أعقاب خطف أحد المواطنين.

ما يعزّز هذا الاعتقاد جملة مؤشرات بدأت مع ما اعتبرته الأوساط المتابعة الرد السوري على الرسالة التركية السعودية من خلال الهجوم الصاعق على كسب واستعادتها بسرعة بدت قياسية نظرًا للتلال والتضاريس الجغرافية من جهة ولعدد المسلحين والأسلحة المزودين بها من جهة ثانية، ومن ثمّ تسليط الضوء على هوية السلاح والذخائر الحربية العائدة لجبهة النصرة وسائر التنظيمات المشاركة معها، والتي تركها هؤلاء في الميدان، واستمرت مع انكفاء الدعم التركي عن "داعش" معطوفا على سلسلة من المواقف الدولية والاقليمية التي تنذر بعواقب وخيمة للغاية لا سيما أنّ السماح لجيش الدولة الاسلامية بتوسيع رقعة انتشاره في حدود جغرافية شاسعة من دون تأمين خلفية قتالية يقع في اللغة العسكرية ضمن إطار التكتيك الهادف الى الرد السريع والمتوازن. فالمساحة الجغرافية التي سيطر عليها البعثيون القدامي بالاشتراك مع "داعش" تحتاج إلى عشرات الآلاف من المقاتلين المدربين لحمايتها واستكمال السيطرة عليها، مع الإشارة إلى أنّ "داعش" تحتاج إلى المزيد من الدعم اللوجستي لتغطية المساحات الصحراوية المسيطر عليها من قبلها.

ومن المؤشرات أيضًا الموقف الايراني وما تبعه من لقاءات مع الاميركيين على هامش المفاوضات الجارية في جنيف بين الجانبين، وما استتبعه من مواقف أميركية وأوروبية تحذر من مخاطر "داعش" على أوروبا وأميركا، إضافة إلى الاخلال بالمعادلة الاقليمية الفائقة الحساسية والدقة في وقت بدا فيه أنّ المنطقة برمتها لم تعد تحتمل مثل هذه الخضّات غير محسوبة النتائج. يُضاف إلى ذلك الرسالة التي وجهتها "داعش" لتل ابيب من خلال تبنيها عملية خطف المستوطنين في إشارة إلى أنّها دخلت لاعبًا إضافيًا على خط الأزمة الفلسطينية الاسرائيلية، بعد أن تحولت إلى رقم إقليمي صعب يعتمد على الارهاب في عمليات تصفية حسابات وهذا واقع من المرجح أن ترفضه تل ابيب كما ترفض اقتراب الاصولية التكفيرية من حدودها ومنشآتها.

ومن المؤشرات اللافتة على هذا الصعيد أيضًا الاعلان عن القمة الاسلامية في التاسع عشر من الجاري وامتناع ايران عن قبول الدعوة الموجهة إليها من قبل وزير الخارجية السعودية على اعتبار أنّ دعوة الرئيس الايراني لا تتم بهذا الشكل وذلك في اشارة واضحة إلى أنّ التسوية السعودية الايرانية تحتاج الى المزيد من البلورة كما تحتاج الى تنازلات سعودية على اعتبار ان الرياض هي الدولة الوحيدة التي ما زالت تلعب لعبة شد الحبال تجاه الازمتين السورية والايرانية.

وأبعد من ذلك، يتوقف المراقبون عند تحريك جبهة اليمن بالتزامن مع حراك "داعش" في العراق وتراجعها في سوريا ما يؤشر بدوره إلى عملية خلط أوراق واسعة النطاق بدأت من سوريا ومرت بالعراق والكيان الكردي، فضلا عن حديث اميركي سابق يصب في خانة انشاء الجبهة العريضة لمكافحة الارهاب بعيدا عن الحسابات التي بدأتها واشنطن مع دخولها العراق في العام 2003 بهدف السيطرة على آبار النفط ما يبعد فرضية السماح لـ"داعش" أو سواها باعادة رسم المشهد الاقتصادي والنفطي في الخليج العربي برمته وليس فقط في العراق.