يكشف رد فعل قوى 14 آذار الهادئ إجمالاً، على المؤتمر الصحافي للنائب الجنرال ميشال عون الذي اقترح فيه النظام الرئاسي بدل انتخاب الرئيس في مجلس النواب، أن هذا التحالف غير مستعجل، ولا متحمس للاندفاع في سجال حول النقاط التي أثارها، إلى درجة قد يكون معها الموقف الذي يعلنه مجلس المطارنة الموارنة اليوم أوضح في التعبير عن قلق وخشية من اعتياد الناس في الداخل والخارج أن لبنان دولة بلا رئيس، وسيبقى كذلك مدة غير معروفة.

لعل التعليقات الأولية على اقتراحات الجنرال عون، وأبرزها صدر عن حزب الكتائب بحكم تزامن مؤتمر الجنرال مع البيان الأسبوعي لمكتبه السياسي كل اثنين، ثم بيان كتلة "المستقبل" أمس، مثّل الحد الأقصى الذي ستذهب 14 آذار إليه في خطابها الرسمي. خلافاً لما كان عليه موقف رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، الواضح في تحذيره بصوت عال من عواقب الغلو في تطييف موضوع رئاسة الجمهورية و"مذهبته".

إلا أن أول استنتاج لدى سماع ساسة "التحالف السيادي" مؤتمر عون هو أن الرجل كان يعلن فقدانه الأمل نهائياً في نتيجة سعيدة لحواراته ومفاوضاته مع رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري توصله إلى القصر الجمهوري. هكذا يكون ختم مرحلة الإنتظار الطويل وعاد إلى محاولة إضفاء طابع مسيحي – إسلامي على معركة الرئاسة، بعدما كان فضل ألا يتحدث مع خصومه المسيحيين والانفتاح عليهم، حاصراً "وفاقيته" في مسلمي 14 آذار، رغم أن هؤلاء أحالوه على رفاقهم المسيحيين، كي يكون طلبه تأييد ترشيحه "كتوافقي" قابلاً للبحث، لكنه لم يفعل. لو قبل الحريري بتأييد عون للرئاسة لما كان اعترض على تطبيق الطائف ولا على الميثاق أو الطائف، ولا حتى على قانون الستين.

الأخطر من هذا الإستنتاج الأولي، في أوساط 14 آذار ملاحظة أساسية فحواها أن كلام عون الذي يترجم رغبة في "الفصل" بين المسيحيين والمسلمين في لبنان إنما يواكب توجهاً في المنطقة إلى تفتيت الدول من داخلها، وربما من خارجها لاحقاً، على وقع دوي مواجهات دموية ذات طابع مذهبي - تاريخي بين سُنة وشيعة، كما على وقع تصفيق إسرائيلي شديد تمثل في تأييد الدولة العبرية العلني لانفصال إقليم كردستان عن العراق. قد يكون هذا التطور ما دفع منسق الأمانة العامة لـ14 آذار فارس سعيد إلى المبادرة الفورية لسؤال عون هل نال تأييداً من إسرائيل ونتينياهو لتقسيم لبنان؟

الحال أن اقتراح عون العودة إلى الانتخاب المذهبي لمجلس النواب، وكذلك انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة على مرحلتين يصيب من فكرة 14 آذار مقتلاً، باعتبار أنها قامت على فكرة العيش معاً رغم كل الصعوبات وتقديم لبنان نموذجاً لحل قضايا شعوب المنطقة، خصوصاً في الظروف المهيمنة على المنطقة وآخر تجلياتها إعلان "دولة الخلافة" الإسلامية وتنصيب أمير للمؤمنين عليها والفتوى الشيعية بالجهاد داخل العراق. تطورات شديدة التفجر في محيط لبنان تهدد استقراره وكان يتوجب التعامل معها بترسيخ مصالحات وعملية انفتاح واسعة والسعي إلى تثبيت الأمن وتحصين حدود البلاد إلى أقصى حد، بدل رفع شعارت ومطالب طائفية مذهبية حادة تذكر بمرحلة واكبت وضع اتفاق الطائف وأعقبته في 1989 و1990 وما تلاها.

يضيف أصحاب هذا الرأي من قوى 14 آذار إن عون أثبت قدرته ساعة يريد على إخراج أرانب من كمه مرة تلو مرة مراهناً أن هناك من لا يزالون يصغون إليه ويتبعونه ويصدقونه، رغم أنه كاد أن يلحق بالرئيس الحريري إلى آخر الأرض كي يأتي به رئيساً، حين أن رئيس "المستقبل" الصادق في سعيه إلى التفاهم معه غير قادر على أن يأتي به رئيساً إذا لم يساعد عون نفسه في هذه المجال.

فوق ذلك، يقول هؤلاء، قدم عون إلى "حزب الله" ورقة ثمينة مضمونها أنه هو (الحزب) من يأتي برئيس جمهورية للبنان من خلال احتفاظه بالقدرة على توجيه نحو مليون صوت يصبون كتلة واحدة في هذا الاتجاه أو ذاك، في حين أن بقية الطوائف تنعم بتعددية سياسية وحزبية وفكرية فيها. الأمر الذي يعيد المسألة إلى المربع الأول. لسان حال 14 آذار هنا: "انتخاب رئيس من الشعب؟ حسنا. نقبل بها أمس قبل اليوم، ولكن ماذا عن سلاح "حزب الله" الذي يصادر قرار طائفة بكاملها، الأمر غير الموجود عند المسيحيين والسنة والدروز؟ نحكي إذا عندما تتحرر إرادة الشيعة واللبنانيين عموماً من سطوة سلاح حلفاء الجنرال".