عشية المعركة المحورية مع الارهاب على جبهة عرسال وجرودها ,اتخذت الحكومة اللبنانية برئاسة تمام سلام قراراً هو الاخطر من حيث المضمون السياسي والعملي على حد سواء ,رغم المظهرية الجذابة التي غلفه بها الذين طرحوه ,,"الحريات والامن المسؤول",بهدف تنفيس الاحتقان في الشارع,باعتباره تزامن مع الخطة الامنية في الشمال التي تعرضت حتى الان لعشرات الخروقات .

القرار المقصود هو "الغاء وثائق الاتصال، ولوائح الاخضاع "الامني بحيث ان" اولياء امر" كانوا يدركون ما هم فاعلون، وما يمكن ان يتمخض عن مثل هذا الالغاء، ومن يمكن ان يستفيد منه ولعل هدفهم "الاسمى"على المستوى الشخصي هو تحقيق مآرب انتخابية لاحقا بروائح مذهبية صرفة، والتي لا تنتهي مفاعيلها بحصول الانتخابات وانما تترسب في النفوس ويؤسس عليها لأجيال، في ظل سياسة الافقار والتجويع الرسمية وربط الناس ب "العقيدة الريعية" التي تجبر الاغلبية على التملق والركوع والاعتياد على الانحناء.

الا ان بعض الوزراء جاملوا في حينه وفي مخيلتهم ان ذلك يساعد في تنفيس الاحتقان دون ان يحسبوا حساب ان الارهاب بدأ يطرق بقوة على الابواب ,فيما اخرون يتجنبون الصدام بسبب الاولويات في رؤاهم الوطنية وآخرون وكما يقول المصريون "نائمون على وذانهم"وقلة باقية من الوزراء في فمها ماء.

لقد تم اتخاذ قرار الغاء وثائق الاتصال الذي هو عبارة عن وثائق معلومات لدى الاجهزة الامنية عن افراد يصل عددهم الى نحو 60 ألف شخص شرط ان لا تكون مستندة الى تهم كيدية او وشايات صادرة عن مخبرين لاسباب شخصية .

ولو كانت النوايا سليمة بسبب الشك في ان الوثائق تتضمن وشايات غير صحيحة كان بالامكان وضع ضوابط قانونية للتدقيق في صحة المعلومات بدل الغاء المعلومات ,او محو ما تراكم على مدى اعوام طويلة ,ما يجعل الاجهزة الامنية شبه عمياء ,على المتورطين في قضايا الارهاب والعمالة والتجسس الى الاعداء ولا سيما اسرائيل .

ان مجلس الوزراء اتخذ القرار الاخطر والاسوأ وقد طبّل وزمر له الوزراء كانجاز تاريخي، وهو القرار المتعلق بالغاء "وثائق الاتصال " و"لوائح الاخضاع "التي تتعامل فيها الاجهزة الامنية من حيث الحصول على المعلومات وقد مر القرار الذي جاء متزامناً مع الخطة الامنية في طرابلس مرور الكرام تحت ذرائع واهية وهي الحريات وان الهدف تنفيس الاحتقان في الشارع .

لقد منح القرار الارهابين ذي المنشأ اللبناني حرية العمل لانه لا يمكن توقيف اي منهم الا بالجرم المشهود حتى لو تطابقت المعلومات بما يعد له الارهابي وان توفرت معلومات بتنفيذ سابق لارتكابات اجرامية .

الغريب ان الالغاء الذي اعتبره وزير العدل اشرف ريفي انه انعكس ارتياحا في الشمال والبقاع جاء عشية معركة عرسال حيث لايزال مئات الارهابيين يسرحون في المدينة وقد جزوا ذقونهم وهم معرفون بالاسم والاقامة، لكن يستحيل توقيفهم بموجب قرار الالغاء .

ان الخطورة تكمن باستخدام الالغاء بمفعول رجعي ضد موقوفين بتهم الارهاب بناء على معلومات، اعترف المتورطون بها ,لكن توقيفهم لم يحدث اثناء الجرم المشهود

ان القرار نفسه ينطبق على عملاء اسرائيل سوى المحكومين منهم ,ما يعني تأمين حصانة عمل لهم اذا تداركوا ولم يضبطوا بالجرم المشهود .

في الواقع العملي لقد تم انجاز بناء القاعدة المادية الضرورية لتسهيل حركة الارهابيين والعملاء لاسرائيل من الذين يتشدقون ويقولون انهم يريدون دولة ولا شيئ غير الدولة بينما هم يضربون قاعدة اسس البنيان في الدولة وهي مكافحة العملاء والارهابيين ومنع توقيفهم حتى لو تقدموا بانفسهم للتحقيق .