يستفيق العالم كل يوم على تحدّيات جديدة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، بالتوازي مع مشاريع الهيمنة والسيطرة على المقدّرات الإنسانية والطبيعية من جانب طُغَم تحكُم في عالم يتحوّل بسرعة كبيرة مجدداً إلى شريعة غاب، بحيث تصبح الشعوب مجرد أضاحٍ على مذابح وموائد الاستعماريين المتجددين.

ثمة من يعتقد أن الاستعمار الإمبريالي بشكله وأسلوبه الحالي إلى اندثار، لكن باعتماد الاستعماريين أساليب أكثر ضرراً على الإنسانية، وأكثر وحشية في السيطرة على الموارد، وهم يعملون من أجل تنفيذ المشروع الأخطر على بناء أحلاف عسكرية وأمنية ترهيبية، يزيّنونها بأكاذيب تفبركها الأجهزة ومطابخ الديماغوجيا عن الحريات ودعوة الشعوب للانتفاض والديمقراطية كحاجات إنسانية عصرية.. هذا الأمر ينطبق على الغرب، وعلى الولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص، حيث العنصرية ماتزال في ريعانها، والدليل ساطع في ولاية "ميسوري" الأميركية، حيث الأحداث العنصرية تعود للانفجار قبل أن تخبو، بموازاة إتخام العالم بمقولات الديمقراطية والحرية التي لا تُنجب سوى الموت والدمار اللامحدوديْن، والانهيارات الاقتصادية وتدمير القيم في كل مكان وبلد حرّضت شعبه.

المشكلة الحقيقية تكمن في أن الغرب من بين أمم الأرض ما يزال يبني أحلافاً عسكرية ويوسّعها، علما أنه لا وجود لأحلاف عسكرية مقابلة بعد تفكُّك "حلف وارسو" بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لكن الدول الرافضة للغزوات الغربية على اختلاف أشكالها ما تزال تتمسك باستخدام الشرعية الدولية، وعدم الإخلال بالقانون الدولي الذي ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة، انطلاقاً من يقين راسخ بأن خلاف ذلك سيفتح الطريق أمام حروب مستمرة، وبلا ضوابط، وهذا سيكون مدمّراً للجميع. إلا أن أصحاب هذه النظرية، مثل روسيا والصين، وكذلك الهند وبقية دول "بريكس" الآخذة في ترسيخ العلاقات المشتركة، تعمل كل منها على بناء قدراتها الذاتية، سواء أكان على المستوى العسكري، أو الأمني بأشكاله كافة، باعتبار ذلك وحده يؤهّل لبناء سياسة خارجية مستقلة وفعّالة، والأهم بناء القوة الاقتصادية كضمان هام في تكوين بنيان المواجهة مع الغرب الاستعماري، بحيث تتلاقى المجموعة المذكورة من الدول في حلف اقتصادي لن يرقى إلى حلف عسكري موحَّد.

إن نموذج دول "بريكس" ليس وحده في المواجهة مع الغرب الاستعبادي والمتغول، فهناك دول أميركا اللاتينية التي تتوسع في مناهضة الولايات المتحدة، بعد أن شربت كؤوس العلقم الأميركي سنوات طويلة، وما فوز موراليس بولاية ثالثة، وبنسبة الفوز المسجَّلة، إلا في إطار الانتصار على الاستعمار، وهو ما أعلنه شخصياً مع إهداء "النصر" إلى الزعيمين فيديل كاسترو وهوغو شافيز.

بالطبع، تتزايد الأحلاف، وإن كانت غير عسكرية، في مواجهة السياسات التدميرية، وما قمة دول بحر قزوين إلا في هذا السياق، حيث أثمر التعاون بين تلك الدول، لاسيما إيران وروسيا، إنجازاً مهماً تمثّل بالاتفاق على منع الوجود العسكري لأي دولة سوى للبُلدان المشاطئة لبحر قزوين، وهذا يُعتبر من ضمن الاشتباك مع الغرب، ونتيجته تفويت الفرصة على الأميركي بإحضار قوات إلى أذربيجان، لأنها قد تهدد روسيا وإيران على حد سواء، وبالتالي تمّ إيجاد منطقة للاستقرار يمكن أن تتوسع لاحقاً مع التعاون الاقتصادي والتقني والإنساني..

من الواضح أن الأحلاف الدولية تعود إلى الواجهة العالمية بعد التغوّل الغربي الأميركي الذي يعتمد على النهب بالقوة العسكرية، فيما الأحلاف الأخرى عنوانها الاقتصاد والارتقاء بحياة مواطنيها، ولذلك يعمد الغرب إلى جعل البُلدان العربية منصّة ترويع للعالم، عله ينهار بلا أثمان، ألا أن العالم استفاق من كبوته، وكانت الصرامة الروسية في القرم والصرامة الصينية في هونغ كونغ، بينما المؤسف أن العرب لم يحرّكوا ساكناً عندما اعتبرت واشنطن بالأمس أنه من السابق لأوانه أن يحظى الشعب الفلسطيني المقهور خلال 66 عاماً بدولة، ولو كانت بعد حين، بالتوازي مع رفض تحديد موعد لإنهاء الاحتلال عن جزء من فلسطين.