أخطر ما يواجِه البلد في هذه الأيام عنوانان:

العنوان الأول أنَّ هناك كمًّا هائلاً من الأزمات والملفات الداخلية التي تكاد تكون عصيَّةً على المعالجة.

والعنوان الثاني أنَّ أزمات المنطقة وحروبها، تجعل الدول الفاعلة والمؤثِّرة تنسى لبنان، فتضعه على رفِّ الإنتظار كمريضٍ يحتاج إلى الدخول إلى غرفة العناية الفائقة فيما هو لا يزال في الطوارئ.

وجهُ الخطر هو هذا الترابط بين العنوانيْن، فكثيرٌ من الملفات تحتاج إلى دعم أو مساعدة الخارج فيما الخارج منصرفٌ عنَّا إلى قضايا يعتبرها ملحة. وبهذا المعنى فإنَّه يُخشى أن نصبح بلداً منسياً، في وقتٍ نحتاج فيه إلى أيِّ نوعٍ من المساعدات، ومعظمها غير متوافرٍ لنا سواء المساعدة السياسية أو العسكرية أو المالية.

في واحدةٍ من الحلقات الإستراتيجية التي انعقدت في عاصمة عربية مؤثِّرة، جرى الحديث عن خمسة أخطار تهدِّد الشرق الأوسط، ولاحظ المشاركون في هذه الحلقة أنَّ لبنان لم يرِد كواحدٍ من هذه الأَخطار، علماً أنَّ قضاياه تُمثِّل أكثر من قنبلةٍ موقوتة، ومن هذه القنابل:

قضية النازحين السوريين، وفي آخر الإحصاءات أنَّ الولادات السورية في لبنان مقدَّرٌ لها سنوياً 50 ألف ولادة، أي أنَّ العدد اقترب من عدد الولادات اللبنانية، وهذا العدد لا يستطيع لبنان تحمله لأنَّه لا تتوافر فيه الإمكانات والبنى التحتية الكافية.

لقد انعقد أكثر من مؤتمر لمساعدة لبنان، وحتى الآن كل الأرقام بقيت حبراً على ورق، فعلى هذا الأساس كيف سيتحمّل لبنان كلَّ هذه التبعات؟

شيئاً فشيئاً بدأت نزاعات المنطقة تكبر، من العراق إلى سوريا إلى اليمن، فهل يتراجع الإهتمام بلبنان؟

وما هي كلفة التراجع عليه؟

إنَّ قضية النازحين أمام مفارقة خطرة:

هُم يزدادون في مقابل تراجع اهتمام الدول بهم، وعليه فَما لم تتمَّ معالجة هذا الأمر بسرعة فإنَّ الإضطرابات ستعمُّ لبنان.

ومن العناوين التي تضعها الدول المؤثِّرة على رفِّ الإنتظار، عنوان إنتخابات رئاسة الجمهورية:

لا يختلف إثنان أنَّ إنتخابات الرئاسة يحكمها تأثير بعض الدول الفاعلة. الأولويات بالنسبة إلى هذه الدول هي حشد القوى لمحاربة الدولة الإسلامية في العراق والشام، أي داعش، ولهذا فإنَّ أيَّ قضايا أخرى، ومن بينها قضية إنتخابات الرئاسة في لبنان، هي قضايا مطوية ولا أحد يتطرَّق إليها في الإجتماعات والمنتديات وما شابه.

تأسيساً على كلِّ ما تقدَّم، فإنَّ البلد أمام الحقائق المؤلمة التالية:

لا إنتخابات رئاسية في المدى المنظور.

لا معالجة لأزمة النازحين السوريين في المدى المنظور.

لا معالجة للملفَّات الحياتية في المدى المنظور، لأنَّ السلطة التنفيذية غير متوافقة على سبل المعالجة، ولأنَّ لا موازنات كافية لها.

قد يحاول المراقب أن يُضيء شمعةً بدلاً من أن يلعن الظلام، لكن الأمل شيء والواقعية شيء آخر، فإذا كان على الناس أن يتمسكوا بالأمل فإن واقعيتهم تجاه الإدارة السياسية التي تحكمهم، لا تبعث على... الأمل.