"نحتاجها لكن لا نريدها"، بهذه العبارة يعلق بعض المسؤولين اللبنانيين على الهبة الإيرانية المقدمة إلى المؤسسة العسكرية، لأسباب باتت معروفة أبرزها عدم إغضاب بعض القوى الإقليمية والدولية، الرافضة لأي تعاون وتنسيق مع طهران ودمشق، في حين تؤكد أغلب المعلومات أنها هذه القوى نفسها تقوم بذلك في سعيها لمواجهة الإرهاب الذي بات يهدد أمنها القومي.

في زيارته الأخيرة لطهران، سمع وزير الدفاع الوطني ​سمير مقبل​، على لسان أكثر من مسؤول إيراني، تأكيدات بأن بلاده مستعدة لتقديم أي دعم يحتاجه الجيش في هذه المرحلة، لكن فكره كان في بيروت حيث تسيطر "فوبيا" الإيراني على مجلس الوزراء وترخي بظلاله عليه، فهو يدرك أن الحكومة لن تستطيع قبول هذه الهبة بأي شكل من الأشكال، نظراً إلى ما يسوّق من تحذيرات تلقتها من أكثر جهة.

تؤكد مصادر نيابية في قوى الثامن من آذار، أن مجلس الوزراء لن يستطيع الموافقة على هذه الهبة، نظراً إلى أن ممثلي قوى الرابع عشر من آذار سيرفضونها، بسبب إرتباطهم بحلف إقليمي ودولي أبلغهم أن هذا الأمر "خط أحمر"، في حين يدرك هؤلاء أن الجيش بحاجة إلى أي مساعدة تمكنه من مواجهة الجماعات الإرهابية التي تهدد الأمن والإستقرار بشكل داهم.

ترفض هذه المصادر، عبر "النشرة"، الكلام عن أن الرفض سببه العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية من قبل المجتمع الدولي، وتشير إلى أن إقليم كردستان المرتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية تلقى في الفترة الأخيرة مساعدات كبيرة من طهران، كما أن الأمر نفسه تكرر مع الحكومة العراقية، وتسأل: "هل يتمتع هذا الإقليم بحرية إتخاذ السيادة والإستقلال في قراره أكثر من اللبنانيين؟"، لتجيب: "على هذا الفريق التوقف عن التغني بشعارات السيادة والحرية والإستقلال إذا كان الأمر كذلك".

وترى المصادر النيابية نفسها أن المشكلة ليست في العقوبات الدولية، لا سيما أن القرارات الدولية المُتَحجج بها تسري على بيع أو توريد أو نقل السلاح، لكن ليس على الهبات المجانية بالكامل وغير المشروطة، بل في سياسات النكايات التي لدى البعض، والتي تقود البلاد من مشكلة إلى أخرى، وتسأل: "من سيتحمل مسؤولية أي معركة تقع في ظل نقص الأسلحة والذخائر"، وتشير إلى أنها لو أرادت التعامل بالإسلوب نفسه لكانت رفضت "المكرمة" السعودية عند عرضها على الحكومة، لكن مع الأسف الفريق الآخر لا يستطيع الفصل بين الخلاف السياسي والمصلحة الوطنية.

من وجهة نظر أحد الخبراء العسكريين اللبنانيين المتقاعدين، هناك رغبة غربية بالسيطرة على المؤسسة العسكرية على مستوى التسليح والتدريب والعقيدة، ويؤكد وجود سعي لذلك منذ العام 2005 بعد إغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، حيث بدأ البعض "يروّج لفكرة وجود عدوّ على الحدود الشمالية والشرقية، إلى جانب العدو الموجود على الحدود الجنوبية".

ومع بداية الأحداث السورية، أصبح هذا الأمر ضرورة بالنسبة إلى أكثر من جهة غربية ودولية، لكنه يشير إلى أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال ربط المؤسسة العسكرية بهذه الدول على مستوى التسليح والتدريب، ومن هنا يأتي التحذير من قبول مساعدات عسكرية من أي جهة خارجة عن هذا المحور.

ويؤكد الخبير العسكري أن جميع القوى تدرك أن تنويع مصادر الأسلحة يعني القدرة على المناورة أكثر على المستوى السياسي، في حين أن حصر هذه المصادر يعني الإلتزام بسياسة المورّد حصراً، ويسأل: "ماذا تستطيع الدولة أن تفعل في حال فتح الجيش معركة لا تريدها الجهات التي تقدّم السلاح له؟"، ويوضح عندها سيبقى عاجزًا عن الإستمرار بها لأن هذه الجهات لن تقدم الذخيرة له في حال نفذت لديه، ومن المعلوم أنها لا تقدمها بكميات كبيرة.

من جانبها، تُصر مصادر نيابية في قوى الرابع عشر من آذار، في حديث لـ"النشرة"، على موقفها، بعدم قبول الهبة ال​ايران​ية بأي شكل، حتى لو كانت غير مشروطة ومجانية، "فلبنان لا يستطيع الوقوف بوجه المجتمع الدولي الذي يفرض العقوبات على طهران، أما بالنسبة إلى مواقف باقي الدول التي وافقت على هبات مماثلة"، فهي تعتبر أن ذلك ما كان ليحصل لولا مباركة الدول الغربية، لكن في الحالة اللبنانية هذا الأمر غير متوفر.

بالنسبة إلى هذه المصادر، لبنان ليس بحاجة ماسّة إلى هذه الهبة، لا سيما مع إقتراب تسليم فرنسا الأسلحة المقدّمة على شكل "مكرمة" من السعودية، بالإضافة إلى أن السعي لإبرام عقود مع دول أخرى من "المكرمة" الثانية التي قدمت خلال زيارة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الأخيرة إلى لبنان، وتضيف: "نحن بغنى عن المشاكل في هذه المرحلة".

في المحصّلة، ليس هناك ما يؤشر إلى إحتمال قبول مجلس الوزراء الهبة الإيرانية، ولن تكون المؤسسة العسكرية قادرة على الإستفادة منها، لأن من غير المسموح إزعاج الخارج، حتى لو كان في ذلك مصلحة وطنية، ولكن لماذا لا تلجأ الحكومة إلى التهديد بقبولها في حال تأخر الدول الغربية أكثر في تسليم الأسلحة إلى الجيش؟