نفذت "جبهة النصرة" وعيدها واغتالت بدمٍ باردٍ الشهيد ​علي البزال​ الذي انضمّ إلى رفاقه الشهداء الذين عاش معهم آخر لحظات حياتهم، قبل أن تسرقها أيادي المجرمين الارهابيين. أعدمت جبهة النصرة البزال دون أن تنسى أخذ الصورة المرافقة لهذا العمل الوحشي، علماً أنّ هذه المنظمة الارهابية، هي نفسها التي كانت تحاول الترويج على أنّها الصورة الجميلة للارهاب وليست كـ"داعش"، ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في تسويق هذا الموضوع لأسبابٍ باتت معروفة.

ومع عملية الاعدام الأخيرة التي تزامنت مع تهديد بقتل جميع العسكريين المخطوفين، ما لم تتحقق طلبات "داعش" و"النصرة" (والتي لا تزال غير مكتملة باعتراف المعنيين)، علت أصواتٌ تطالب الحكومة بطيّ صفحة التسامح والاتفاق بالتراضي، والمباشرة بسياسة التعامل بالمثل، أي إعدام الارهابيين القابعين في السجون اللبنانية. ولعلّ الموقف الأبرز في هذا السياق، ما نُسب الى المدير العام للامن العام اللواء ​عباس ابراهيم(1)، إضافة إلى أصوات ذوي الشهداء الذين ضاق صدرهم بمسار المفاوضات، وحتى بعض السياسيين الذين قبلوا بمبدأ الاعدام بعد شناعة ما ارتكبه إرهابيو "داعش" و"النصرة".

وتمّ وضع سيناريوهات كثيرة حول المسألة، إلا أنّ تطبيقها دونه عوائق كثيرة. وفي ما يلي أبرز هذه السيناريوهات:

- إعدام الدولة للمساجين لديها بشكل عشوائي. هذا السيناريو يروّج له مواطنون غاضبون، ولكنه غير قابل للتطبيق لأنّ الدولة لا يمكنها أن تتشبه بمجموعات ومنظمات إرهابية، فتقتل مسجوناً مقابل مواطن أو عسكري استشهد على يد إرهابيين، وإلا سقط التعاطي معها كدولة من قبل الجميع. وبالتالي، هذا السيناريو ولد ميتاً.

- تنفيذ الدولة عقوبة الاعدام الصادرة بحق الارهابيين الذين اعتقلتهم وتمت محاكمتهم. هذا السيناريو الذي يؤيده بعض السياسيين والامنيين واهالي الشهداء، وشريحة كبيرة من اللبنانيين. لكن الحكومة لا يمكنها تنفيذ هذه الخطوة لان لبنان علّق العمل بعقوبة الاعدام(2)، كما أنّ الاوروبيين يضغطون في كل مناسبة على لبنان لوقف تنفيذ هذه العقوبة، وقد ضمّوها الى سلة الاتفاقات التي كان من المفترض أن يوقع عليها الاتحاد الاوروبي ولبنان منذ فترة ليست بقصيرة.

ولكن العديد من الناس ترغب في تطبيق هذه العقوبة ولا تهتم بما سيقوله الاتحاد الاوروبي أو سيقوم به، إلا أنّ الحكومة لها وجهة نظر أخرى، وهي بالتالي لن تتخذ مثل هذا القرار إلا في حال تأكدت بما لا يقبل الشك أنّ نتائج هذه الخطوة لن تنعكس سلباً.

- اعتماد سياسة "تصفية السجناء" من قبل سجناء آخرين. هذا السيناريو يتم الترويج له عبر بعض الاشخاص الذين يعرفون جيداً ما يحصل في السجون، وهو حلّ يفضي إلى إزاحة "عبء" الاعدام عن كاهل الحكومة، فيقضي الارهابيون المحكومون على يد سجناء آخرين بما يشبه "تصفية حسابات" داخل السجن. ولكن هذا الحل أيضاً ليس من السهل تطبيقه لأنّ السجون "مضبوطة" بشكل شبه تام من قبل الارهابيين أنفسهم بشهادة الجميع. وهل سيكسر أحد هذه "السيطرة" التي يتمتع بها الارهابيون في السجن والتي تخوّلهم تحويل مكان محكوميتهم إلى "فندق خمس نجوم"؟ وهل هذا السيناريو سيجنّب تحميل الحكومة مسؤولية مقتل الارهابيين داخل السجن؟

- قتل الارهابيين من قبل القوى الأمنية بعد أن يحاولوا الهرب من السجن. هذا السيناريو مطروح ولكن بشكل خجول، ويقضي بأن يتم تأمين منفذ للارهابيين لمحاولة الهروب من السجن أو مكان قضائهم محكوميتهم، فتعمد القوى الامنية إلى إطلاق النار عليهم لمنعهم من الهروب. هذا السيناريو يحمل معه مخاطر كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر، إمكان نجاح الارهابيين أو عدد منهم بالهروب فعلاً، إضافة إلى إمكان فشل هذا السيناريو في حال شكّ الارهابيون بما يحصل وقرروا عدم الهروب.

هذه بعض السيناريوهات الموضوعة والتي ترضي الكثير من اللبنانيين نظراً إلى الوحشية التي اعتمدها عناصر المنظمات الارهابية بحق العسكريين المخطوفين وعلى أرض لبنانية. ولكن الحكومة لن تقدم على مثل هذه الخطوات، إلا أنها لم تقدّم بعد البديل الذي يطمئن اللبنانيين إلى أنّ دماء شهدائهم لم تذهب هدراً وأنّ هؤلاء الابطال الذين استشهدوا مرفوعي الرأس، ولو أنّهم مقيّدون، لم يندموا لحظة لانخراطهم في طريق الحق والدفاع عن لبنان في وجه الارهاب.

وحتى اليوم، فشلت الحكومة في إظهار أنّها قادرة على أن تكون نداً للارهابيين وأن تفاوض من موقع القوي أو على الاقل من موقع مماثل لموقع هؤلاء المجرمين، وهي اعتمدت على تركيا وقطر لمساعدتها ولكن هذا الاعتماد لم يكن في مكانه كما تبيّن.

الجميع مع السريّة في المفاوضات، والجميع يرغب في الوصول الى حلّ يؤمّن سلامة العسكريين المخطوفين، ولكن الى متى الانتظار؟

(1)بتاريخ 6/12/2014، ذكرت وسائل إعلام لبنانية أنّ المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم طرح في اجتماع خلية الازمة الوزارية، الرد على أيّ عمل انتقامي من قبل "النصرة" أو "داعش" بالمبادرة سريعاً إلى تنفيذ أحكام إعدام صادرة عن القضاء اللبناني بحق ارهابيين.

(2)تبنت وزارة العدل اللبنانية في العام 2008 اقتراح قانون لالغاء عقوبة الاعدام تقدم به عشرة نواب، ينصّ على أن يتمّ استبدال عقوبة الاعدام بالسجن المؤبد وتكون غير قابلة للتخفيض ولا تشملها قوانين العفو.