هل ادت ما يُسمّى بالدولة الاسلامية قسطها الى العلى فقاربت مدة صلاحيتها على الانتهاء، او ان التحولات المتسارعة في المنطقة تجري على وقع المفاوضات الاميركية الروسية الجارية على قدم وساق في احدى العواصم الاوروبية المحايدة؟ وتاليا هل بدأ التحالف الغربي العمل على انهاء "داعش" واجنحتها العسكرية التكفيرية، ام انها ستكتفي في هذه المرحلة بتقليم اظافرها واضعافها وتركها لاستنزاف العالمين العربي والاسلامي الى ان ينتهي الغرب وروسيا من عمليات اقتسام الثروات الطبيعية وتوزيعها، بعد ان استقرت المفاوضات على معادلة جديدة قوامها تحكم واشنطن بالنفط ومعابره والدول المنتجة له في مقابل استئثار روسيا بالغاز واقتصاداته ومعابره والدول المحيطة او المتحكمة بهذه المعابر على قاعدة حماية المصالح الاستراتيجية المشتركة؟

اسئلة لم يعد من الاستحالة الاجابة عنها في حال نجح اي متابع من ربط الاحداث بالمواقف والتطورات معطوفة على الحراك الدبلوماسي العالمي. بيد ان المعلومات المتداولة في الكواليس الاوروبية تؤكد ان صلاحية "داعش" باتت على مشارفها الاخيرة بعد ان حققت الاهداف التي نشأت على اساسها، على غرار اقرار العالم العربي بحاجته الماسة وغير المنقوصة لواشنطن، وبالتالي الاعتراف بدورها في حماية النفط ومنابعه بالرغم من الاموال الطائلة التي دفعها الخليج العربي لتمويل صفقات التسليح، وهي بلغت مليارات الدولارات التي سمحت لصناعة السلاح الاميركية بالنمو بشكل اعاد تصحيح موازنات الولايات المتّحدة الاميركية وماليتها. وهذا ما يبرر الجولات الروسية والايرانية من جهة واللقاءات الاميركية الاوروبية من جهة ثانية في ظل اجواء تنم عن حلحلة في مكان ما، خصوصا ان التطورات الميدانية الحاصلة في اليومين الماضيين بدءا من استعادة الحركة الشعبية العراقية وهي حركة شيعية بامتياز، زمام المبادرة على تخوم سامراء وتنسيقها الميداني مع البشمركة من جهة وتنسيقهما مع قوات التحالف التي تنفذ غارات فاعلة تمكنهما من استعادة المراكز الحساسة على المحاور الفاصلة.

في هذا السياق كشف سياسي مخضرم متابع لملف العلاقات الاقليمية، ان جولة رئيس مجلس الشورى الاسلامي الايراني علي لاريجاني على المسؤولين السوريين واللبنانيين ليست بعيدة عن هذه الاجواء، بل ان الزائر الايراني الذي اشاد بدور حزب الله على المستوى الاقليمي، حمل معه حصيلة المشاورات الاميركية الايرانية والايرانية الروسية، وما ادت اليه الاتصالات على صعيد الملف النووي وما يتصل به من دور ايراني على مستوى المنطقة الاقليمي، في ظل رسائل معبرة وجهّتها الصين في هذه المرحلة من خلال ابداء استعدادها لدعم الاقتصاد الروسي لاعادته الى ما كان عليه قبل العقوبات، ما ادى الى ارتفاع الروبل في البورصة العالمية وان كان بشكل محدود ولكنه اعاد الاعتبار بشكل او بآخر للمتعاملين بالعملة الروسيّة وبالغاز الروسي المتجه الى القارة الاوروبية عبر اوكرانيا.

ويقرأ السياسي في حراك الايام الاخيرة الماضية مؤشرات لتظهير الاتفاقات او الصفقات اذا ما جاز التعبير، وهي قائمة على معادلة النفط مقابل الغاز والنفوذ الاميركي في مقابل الدور الروسي، لاسيما ان الساحات التي تشهد على الحرب الباردة تشهد تزامنا لافتا في التطورات ونوعيتها. فتقدم الشيعة والاكراد على "داعش" في العراق بالموازاة مع تقدم الجيش السوري على محاور حلب، واقتراب الاكراد السوريين من المعابر السورية التركية العراقية في موازاة انطلاق الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل في لبنان وهو حوار شكله لبناني ومضمونه ايراني سعودي بامتياز، عوامل تزامنت مع حراك دبلوماسي دولي واسع النطاق ما يؤكد بان كل ذلك ليس من نتاج الصدفة، انما استنادا الى اجندة معدّة بعناية ومدروسة باتقان وهي تبحث عن التوقيت واللحظة الاقليمية لتظهيرها واعادة تركيب احجيتها.