لم يقتنع الكثيرون بالحملة التي قام بها وزير الصحة وائل ابو فاعور تحت عنوان "سلامة الغذاء"، وأعادها البعض الى دوافع سياسية وآخرون إلى دوافع تتعلق بمصالح أشخاص معيّنين... نظريات قد تصح وقد لا تصح، ولكن ما هو صحيح أنّ الفساد موجود وخصوصاً في الغذاء، وهو مستشرٍ ليس فقط في المأكولات بل في كل تفصيل من حياتنا اليومية. ولذلك، كيفما أدار أحدهم البوصلة، سيجد حتماً ودون أيّ مشقّة، ملفات هائلة من الفساد والاهمال منتشرة وتنتظر من يكشف عنها.

بغض النظر عن اسباب الحملة وخلفياتها، فقد ظهر أنّ اللبنانيين باتوا يقفون اليوم إلى جانب الوزير، ليس بسبب ارتباطاته الحزبية أو نشاطاته الوزارية المتنوعة (وسيط في قضية العسكريين المخطوفين، وسيط في العمل على خط الخلافات الوزارية...)، بل بسبب ما ظهر من "اهتراء" في الملفات التي يعيش عليها اللبناني.

ولا شك أنّ "القشة التي قصمت ظهر البعير"، كانت الفضيحة التي فاحت رائحتها في مطار بيروت والمتعلقة بالخبر الذي كانت صحيفة "النشرة" الالكترونية اول من كشف عنه حول وجود جثة في احد البرادات في عنابر الشحن والتخزين(1).

ماذا تفعل جثة في برادات تخزّن فيها اللحوم والمأكولات وبعض البضاعة التي تحتاج الى درجة حرارة منخفضة للمحافظة على صلاحيتها؟ اذا كانت المسألة أنّ المعنيين تفاجأوا بموت احد المسافرين واضطروا الى نقل الجثة الى البراد، ونسوها بدل الابلاغ عنها ونقلها الى مستشفى، فهذه مصيبة كبيرة. أما إذا كانت المسألة "تمرير" بعض الايام في براد المطار لاستعمال الجثة لاغراض اخرى، فهذه كارثة بالفعل.

اياً كانت التبريرات، ومهما اختلفت الحجج، لا يمكن إقناع أحد بأنّ وجود هذه الجثة مع مواد استهلاكية هو قرارٌ صائبٌ. وهذا بالتأكيد من الامور التي كسب من خلالها الوزير أبو فاعور نقاطاً كبيرة، لان اللبناني بات لا يهمه الحسابات السياسية والحزبية والطائفية في هذا الملف، طالما أنّ نسبة إصابته بأمراض قد تخف ولو بشكل ضئيل اذا ما تم كشف أسماء بعض الذين يطالهم هذا الملف.

لذلك، يمكن القول أنّ وزير الصحة كسب معنوياً وعلى الورق، دعم اللبنانيين له. ولكن هذا الدعم سيبقى على الورق ما لم يرفق بتدابير، اقلّه في الملفات التي تم كشفها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، هل تابع أحد قضية الطبيب الذي صوّر عملية احد مرضاه ونقلها على شبكات التواصل الاجتماعي في اسلوب خارج عن الاخلاق والقيم؟

وهل عرفنا ما حصل لعيادات ولمنتجعات يقال أنها تقدم خدمات "طبية" وتجري عمليات تجميل وتدليك وتنحيف غيرها من الامور باسم الطب وهو براء منها، وتؤدي الى عاهات وامراض لمن يخضع لها؟

وهل يمكن لاحد أن يخبرنا عن مصير محل حلويات مشهور جداً، وتقول مصادر عديدة أنه استعمل مواد فاسدة في تحضير الحلويات إلا أنّ اسمه بقي غائباً عن لوائح المحاسبة؟

وكي لا نضرب أخماساً بأسداس، هل سنتفاءل في أن يؤدي التحقيق في قضية الجثة نفسها الذي ذكرناها آنفاً الى نتائج عملية، أم أنه سيتم التذرّع بموسم الاعياد وبـ"روح العيد" للقول أنّ القضية قد عولجت ولن تتكرر؟

ملفات عدّة وفساد بالجملة ينخر عظام اللبنانيين كل يوم، ولا يكفي الكشف عن جزء من هذه الملفات للقول أنّ الامور باتت بخير، بل يجب أنّ تلاحق كما تمّت ملاحقة المصانع والمعامل والمزارع، وبشكل دوري، ليطمئن اللبناني إلى أنّ ما حصل ليس غيمة صيف عابرة.

إنّ هذه الامور ترتقي الى مستوى الجريمة، واذا لم نلاحق المجرم ونتخذ بحقه العقاب المناسب، يكون الكشف عن الجريمة للاستهلاك الاعلامي فقط، ولا يقدّم أو يؤخّر بشيء. فليستفد الوزير أبو فاعور من الغطاء السياسي المقدم له حالياً من النائب وليد جنبلاط والذي سمح بكشف بعض الامور، وليكمل المتابعة مع القضاء كي لا تتوقف الامور عند هذا الحد.

وليس المطلوب من الوزير أبو فاعور التدخل في عمل القضاء، بل المتابعة إن من خلال صِلاته الوزارية مع وزير العدل أو غيره، أو من خلال السؤال باستمرار عن مصير هذه الدعاوى المحالة إلى القضاء لأنّ صوته يبقى أقوى بكثير من أصوات المواطنين.

(1)بتاريخ 26/12/2014، اوردت "النشرة" خبراً تحت عنوان أبو فاعور وزعيتر عثرا خلال جولتهما بمطار بيروت على جثة".