لم يشأ العام 2015 أن يقلب المشهد الذي حملته أشهر النصف الثاني من العام 2014 في فلسطين، وتحديداً ​القدس​. ففي شهر أيار من العام الفائت، انقسم اللبنانيون حول قرار اتخذه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بزيارة القدس والترحيب ب​البابا فرنسيس​.

الضجة التي أثارتها الزيارة في لبنان، خفّت وتيرتها لدواع دينية كونها ترتبط بزيارة البابا وهو رأس الكنيسة الكاثوليكية، ولها طابع مسيحي خاص لا يحتمل التوازن الطائفي في لبنان استهدافه.

وما هي إلا أشهر قليلة حتى انتقلت الضجة إلى الكويت مع زيارة وزير الخارجية الكويتي ونائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ ​صباح الخالد الصباح​، القدس في أيلول الفائت. وحملت معنى خاصاً لان الكويت كانت من اوائل المقاطعين لاسرائيل وأصدرت القانون الموحد لمقاطعة اسرائيل عام 1964.

حزم العام 2014 حقائبه وأخلى المكان لعام 2015 الذي أطلّ بالاعلان عن زيارة مرتقبة لأمين عام منظمة مجلس التعاون الاسلامي وهو اياد امين مدني، الى القدس. الزيارة ستتم في الخامس من الشهر الحالي، وستكون ذات مؤشرات كثيرة كونها تدور في فلك منظمة تضم 57 دولة اسلامية، وتسعى إلى توحيد كلمة المسلمين في العالم، ما يعني أنّ لها قيمة معنوية مهمة. إضافة إلى ذلك، فإن ​اياد مدني​ سعودي الجنسية، وغني عن القول ما تعنيه السعودية ومناطقها بالنسبة الى المسلمين.

وفي قراءة سريعة لهذه المحطات الثلاث، يمكن ملاحظة التالي:

1- تتزامن هذه الزيارات مع مساع فلسطينية حثيثة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو أمرٌ تحقق معنوياً فقط من خلال دعم برلمانات اوروبية عدة لهذه الفكرة، دون أن تتحقق رسمياً بعد أن أفشلت الولايات المتحدة مشروع قرار في الامم المتحدة يقضي بالاعتراف بدولة فلسطين.

2- شاءت الصدف أن تكون المحطات البارزة في الزيارات مقسمة على 4 أشهر. بين زيارة البطريرك الراعي ووزير الخارجية الكويتي 4 اشهر (من ايار الى ايلول)، وبين زيارة الوزير الكويتي وزيارة امين عام منظمة التعاون الاسلامي 4 اشهر ايضاً (من تشرين الاول الى كانون الثاني). من الطبيعي الا يحمل الرقم بحد ذاته اي دلالات، ولكنها صدفة يجدر التوقف عندها.

وبعد زيارة البابا، تصاعد التوتر بين الفلسطينيين والاسرائيليين، ولا يمكن أن ننسى الجريمة التي راح ضحيتها الفتى محمد ابو خضير(1)والتي حصلت في شهر تموز الفائت. أما بين تشرين الاول كانون الثاني، فبلغ التوتر السياسي ذروته في مسألة الاعتراف بدولة فلسطين واستقالة الحكومة الاسرائيلية.

3- يرى البعض أنّ إسرائيل أرادت من خلال هذه الزيارات تخفيف الضغط السياسي عنها، لتظهر أنّها منفتحة على إمكان التطبيع مع العرب، وأنّ الكرة في ملعب هؤلاء. ويأتي هذا "الانفتاح" في ظل وضع سياسي صعب تعيشه اسرائيل. ولا شك أنّ تل ابيب ازدادت إحراجاً بعد المؤتمر الذي عقد في جنيف لمناقشة مسألة حماية المدنيين حتى في ظل الاحتلال(2).

4- تعمد اسرائيل في كل مرة يتم الاعلان عن زيارة مسؤول عربي او دولي للاراضي الفلسطينية، الى تصوير الزيارة وكأنها لاسرائيل حتى لو لم يلتق المسؤول المعني اي مسؤول زمني اسرائيلي، ولم يعقد اي لقاء مع اي وزير او نائب في الكنيست.

5- قد تمهد الزيارات المتتالية لمسؤولين عرباً الى القدس، الى الاعتياد على هذه الفكرة ولو بعد فترة. وقد ينعكس هذا الاعتياد قبولاً في عقول الشعوب العربية بأن التطبيع مع اسرائيل ليس بعيد المنال وليس حلماً مستحيلاً.

في الخلاصة، يعيش العرب كل 4 اشهر حالات من الانقسام بسبب قرارات مسؤولين في الدول العربية زيارة القدس، ولكل وجهة نظره التي يدافع عنها. الا ان الواقع يدل على حقيقة لا يمكن الهروب منها وهي ان اسرائيل لا تزال تسيطر على الاراضي الفلسطينية من الخارج ولا يمكن اغفال التنسيق معها اقله من الناحية الامنية للوصول الى القدس، اكان بشكل مباشر او غير مباشر. وهذا الامر مؤشر على ان التواصل العربي مع اسرائيل قد بدأت مرحلة جس النبض فيه على ان تليها المرحلة الثانية التي لا يعرف احد موعدها.

(1)في تموز الفائت، عمد بعض المستوطنين الى خطف الفتى محمد ابو خضير حيث عثر عليه بعد فترة وهو ميت. واعتبر مسؤولون فلسطينيون ان هذه الجريمة اتت رداً على مقتل ثلاثة مستوطنين شبان بالقرب من مدينة الخليل .

(2)في 17/12/2014، عقد في جنيف مؤتمر لمناقشة اوضاع حماية المدنيين واحترام حقوق الانسان وفقاً لاتفاقيات جنيف، قاطعته اسرائيل والولايات المتحدة. واكد المؤتمر على أنه محظور على جميع الأطراف شن هجمات عشوائية ومفرطة ومهاجمة أهداف محمية مثل المدارس والمستشفيات واستخدام المدنيين دروعا بشرية.

كما دان جدار العزل الاسرائيلي الذي يتغلغل في عمق الضفة الغربية ودان المستوطنات الاسرائيلية وحصار قطاع غزة.