بمعزل عن الجهة أو التنظيم الارهابي الذي نفذ الهجمات التي وقعت في مناطق فرنسية مختلفة خلال الساعات القليلة الماضية، فإنّ الثابت هو أنّ تنظيم "داعش" نجح إلى حدّ بعيد في نقل معركته إلى عددٍ من الدول الغربية، ابتداءً من عملية احتجاز الرهائن الشهيرة التي وقعت في سيدني في أستراليا، مرورًا بإطلاق النار على البرلمان الكندي، وليس انتهاءً باستهداف الدائرة الحادية عشرة في باريس وما تلاها من عمليات اطلاق نار، الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام حول مدى خطورة الخلايا النائمة في أوروبا عمومًا و​فرنسا​ خصوصًا التي يتّهمها خصومها بتسهيل عملية انتقال الإسلاميين للقتال في العراق وسوريا.

في مطلق الأحوال، فإنّ الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" لم يكن مفاجئًا لاجهزة الاستخبارات الفرنسية التي كانت بأجواء الحذر الشديد منذ أيلول الماضي، بحسب ما يكشف دبلوماسي أوروبي، يتحدّث عن تقاطع التقارير المحذرة من عمل ما يستهدف المصالح الفرنسية، خصوصًا بعد أن بدأت الحكومة الفرنسية تقلص من مساعداتها للارهابيين وتضيّق عليهم في محاولة منها لتصويب مسارها من الأحداث في المنطقة، بعد أن كانت تسهّل في السابق انتقال المقاتلين الفرنسيين للقتال في الدول العربية بمعزل عن حسابات المستقبل والنتائج، حتى أنّ أعضاء في الاتحاد الاوروبي كانوا يتحدّثون عن مشاركة أكثر من ألف فرنسي من أصول عربية في القتال إلى جانب "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" في سوريا وحدها، وهو ما دفع بالمجموعة الاوروبية الى التفكير بخطط خمسية وعشرية لتنفيذ هجرة مضادة من خلال سن قوانين جديدة تحدّ من تشجيع الاسلاميين على الهجرة باتجاه اوروبا الواقعة بين فكي كماشة الارهاب والدول الداعمة والممولة لها في مشهد متناقض من شأنه أن يرخي بظلاله المستقبلية على تلك العلاقات وقد يعرضها لاهتزازات.

على أية حال، فإنّ الدبلوماسي نفسه يعرب عن اعتقاده بأنّ ما بعد عملية شارلي إيبدو لن يكون كما قبلها لا من حيث الشكل ولا المضمون، ويوضح في هذا السياق أنّ الردّ الفرنسي لن يكون في الداخل فحسب بل في الخارج أيضًا، والمقصود هنا ليس الحرب بمفهومها العسكري إنما الردود السياسية والدبلوماسية وهي ستطاول الدول الممولة للتنظيمات الارهابية، في ظلّ ما يصفه بالخلل الاستراتيجي القائم على مبدأ الصفقات الآنية بعيدا عن المصالح الطويلة الامد، كما ستصل إلى حدود اعادة هيكلة الدوائر المعنية بالمهاجرين لاسيما الاسلاميين منهم، في ظلّ اعتراف بأنّ هناك بعض الاحياء القريبة من العاصمة الفرنسية بدأت تخرج عن سيطرة الادارة المحلية والاجهزة الامنية الفرنسية لتتحول إلى ما يشبه المحميات التي تتمتع بخصوصية وحساسية تجاه ما هو غير اسلامي، والمعني هنا الاسلام السياسي بما يعني أنّ هناك أثمانًا سياسية ومعنوية حقيقية لا بد من دفعها أكان نقدًا أو بالتقسيط.

وينبّه الدبلوماسي الأوروبي إلى أنّ الارهاب الذي بدأ يصل إلى القارة العجوز لن يتوقف سريعًا ولن يبقى تحت السقف باعتباره نتيجة تراكمات مستمرة منذ عقود وليس وليد ساعته، كما أنّ الفكر التكفيري بدأ يتأثر بالخارج ما قد يؤدي إلى تطرف مقابل يزيد من حظوظ اليمين المتطرف بالرغم من تشدده في سياسة التعاطي مع الداخل على حساب سياسات الخارج، على أنّ الشارع الفرنسي خصوصًا والاوروبي عمومًا بدأ يطرح أكثر من علامة استفهام حول القواسم المشتركة التي تجمع الحضارة الاوروبية بالحضارة التكفيرية والاسلامية السياسية ما يعني إرغام دولهم على تغيير مبدأ التعاطي مع الحرب على الارهاب والدفع باتجاه اقامة تحالفات جديدة مع الدول العربية القادرة على الحد من موجة الارهاب وليس تغذيتها وتمويلها بحيث يمكن ان تبدأ هذه السياسات بالظهور عاجلا ام آجلا.