اندلعت من جديد حرب كلامية هي الأعنف بين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الديمقراطية (الشمالية حسب الوصف الغربي)، وهذه المرة لم تتخذ فقط عنوانها الإلكتروني، إنما في سياق التموضع العالمي، سيما أن مشاريع الولايات المتحدة باتت أكثر مباشرة في استهداف الدول وسيادتها بهدف تقويضها، خصوصاً كوريا التي يُفترض أنها في مرحلة مفاوضات معها على قضايا شائكة تتجاوز شبه الجزيرة الكورية، ومن ضنمها السلاح النووي الكوري، من خلال اللجنة الدولية السداسية التي تضمهما إلى جانب روسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية.

"التحرُّش" الأميركي هذا المرة بكوريا استهدف عمق الثقافة الكورية، وأهمّ رمز في الدولة، وهو الرئيس كيم جونغ اون، من خلال فيلم ساخر اسمه "المقابلة"، من إنتاج شركة "سوني"، وهي الشركة الأهم في تمويل رئاسيات باراك أوباما، ويتناول الفيلم تجنيد صحافيين لاغتيال الرئيس الكوري، وقد تمّ اختراق الكمبيوتر المركزي للشركة في ذروة الدعاية للفيلم قبل عرضه، من قبل "هاكرز"، والتهديد بالانتقام إذا تمّ عرض الفيلم، الأمر الذي دفع الشركة المنتجة لسحب الفيلم ووقف الدعاية، فيما تنطّحت واشنطن لاتهام كوريا الشمالية بالوقوف وراء الاختراق التقني الهام، مع إطلاق وعيد على لسان أوباما شخصياً بالرد على بيونغ يانغ "في شكل مناسب، وبطريقة نختارها"، رغم نفي كوريا لأي دور لها في ذلك، والاستعداد لتحقيق مشترك، بموازاة التأكيد على وجود مستندات ووثائق تُثبت عدم تورط كوريا في الاختراق، واتهام واشنطن بنشر أكاذيب لتشويه سمعة الدولة الشيوعية.

بدل أن تلاقي الولايات المتحدة الاستعداد الكوري للتعاون الوثيق بشأن جرائم المعلوماتية، والإصغاء إلى التحذير الصيني بأن الفيلم "وقاحة ثقافية، ولا يمكن أن يكون مصدر فخر لا لهوليود ولا للمجتمع الأميركي"، اندفعت أكثر باتجاه التصعيد الكلامي والاستفزاز، وعلى لسان أوباما شخصياً للمرة الثانية، حيث رمى فيه إلى احتمال انهيار نظام كوريا، معتبراً أنها "البلد الأكثر عزلة، والأكثر عرضة للعقوبات، والأكثر انقطاعاً عن العالم".

بالطبع، فوجئ الأميركيون بالرد الكوري، وعلى لسان الرئيس كيم جونغ اون، خصوصاً وصفه للأميركيين بالكلاب المسعورة، وذلك خلال ترؤسه لجنة الدفاع الوطني، وهذا له معنى خاص بحدّ ذاته، سيما أنه أُقرن ببيان واضح ركّز على أنه "منذ حديث الإمبرياليين الأميركيين (كلام أوباما) عن إسقاط جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، لا يمكن لجيش وشعب البلاد إلا أن يبلّغوا رسمياً إدارة أوباما بأن جمهورية كوريا ليست في حاجة وليست راغبة بعد الآن بالجلوس إلى طاولة المفاضات مع الولايات المتحدة، فنحن نرفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع كلاب مسعورة تطالب بإسقاط نظامنا الاشتراكي".

لم تكتفِ كوريا بهذا الردّ الذي صمتت بعده واشنطن حتى الآن، بل أوردت وعيداً أقصى كدولة تحترم سيادتها وقادتها بأن أعلنت أنه "إذا شنّت الولايات المتحدة حرباً عدوانية أو حرباً نووية فإن كوريا الشمالية ستتصدى لها بضرباتها النووية"، بمعنى "العين بالعين والسن بالسن".. أما "إذا حاولت واشنطن إسقاط جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية عبر هجوم معلوماتي، فإنها ستردّ عبر هجومها المعلوماتي الخاص، وبالتالي ستقدّم موعد الدمار النهائي للولايات المتحدة".

لا شك أن الأميركيين لا يتعاطون مع التهديد بتحقيق الدمار النهائي بواسطة الإمكانات الكورية المتعددة للضرب النووي على أنه "فانتازيا"، بل يأخذونه على محمل الجد، خصوصاً أنه استُبق بتأكيد موسكو أن الرئيس الكوري سيحضر احتفالات روسيا بالنصر على الفاشية والنازية في الحرب العالمية الثانية، وبحضور رؤوساء عشرين دولة، الأمر الذي يعني أيضاً عدم عزلة كوريا إطلاقاً، لا بل عودة الحلف المواجه للإمبرياليين.