لا تزال معركة الجنوب السوري تستحوذ على متابعة أكثر من طرف وجهة، نظراً إلى أهمّيتها الإستراتيجيّة الكبرى، وبفعل دخول أطراف إقليميّة عدّة على خطّها. فما الذي تحقّق حتى اليوم في الهجوم المعاكس الذي قاده ​الجيش السوري​ على مواقع فصائل المعارضة، وما هي أهمّية "​تل الحارة​" الذي لا يزال حتى تاريخه بقبضة المعارضة؟

النتائج الأوّلية الأبرز للهجوم الذي نفّذه الجيش السوري في الجنوب السوري خلال الأيّام القليلة الماضية، مستخدماً دبابات T 72 ومدعوماً بوحدات من "حزب الله" وحتى بقوّات إيرانيّة، كما ذكر أكثر من مصدر، تتمثّل خصوصاً بإفشال محاولات مُعارضي النظام قطع طريق درعا-دمشق الإستراتيجي، حيث منعها من التقدّم نحو مثلّث نامر-قرفة-خربة غزالة، وأجبرها على التراجع بعيداً، وذلك بعد أنّ كانت الوحدات المسلّحة المنضوية ضمن هيكليّة "الفيلق الأوّل"(1)على باب قوسين من قطع هذا الطريق الإستراتيجي للإمدادات، منذ إضطرار اللواء الثاني والثمانين في الجيش السوري للإنسحاب من محيط "الشيخ مسكين". كما نجح الهجوم الإستباقي في منع وقوع وحدات الجيش السوري في درعا، خاصة لواء المدفعيّة الثاني عشر المنتشر في شمال درعا، بين فكّي كمّاشة، وجعل مسلّحي المعارضة محاصرين في أكثر من موقع ومكان. وتمكّنت الفرقة التاسعة في الجيش السوري التي تحرّكت من مناطق تواجدها في الصنمين من خرق وقطع طرق التواصل اللوجستي بين مواقع "جبهة النصرة" في غرب درعا من جهة وجنوب القنيطرة من جهة أخرى.

وسيطر الجيش السوري والوحدات المساندة له، على بلدات الهبارية والدناحي والطيحة و"دير ماكر" و"دير العدس" وكذلك على كل من "تل مرعي" و"تل البزاق" و"تلال فاطمة" وغيرها. لكن كل هذه النتائج المهمّة ميدانياً، لن تكتمل إلا بتحقيق هدفين أساسيّن للهجوم:

الهدف الأوّل يتمثّل في إستعادة السيطرة على "تل الحارة" الإستراتيجي الذي يُطلّ على مساحات جغرافية واسعة من الجنوب السوري، ومن يُسيطر عليه قادر أن يُسيطر بالنار على عشرات القرى والبلدات المحيطة(2)وأن يقطع الطريق إلى الغوطة الغربيّة في ريف دمشق. لكن معركة السيطرة على "تل الحارة" الذي يتعرّض حالياً لغارات كثيفة من الطيران السوري، يستوجب أوّلاً إستعادة مدينة "الشيخ مسكين"، وتأمين السيطرة أيضاً على بلدة "كفرشمس"، إضافة إلى السيطرة على تلال محاذية معروفة بإسم "التلال الحمراء"، ما يعني أنّ المعركة ليست سهلة.

الهدف الثاني يتمثّل في السيطرة على معبر القنيطرة الحدودي في الجولان السوري المحتلّ، والذي كان سقط بيد المعارضة السوريّة المسلّحة في آب من العام 2014 الماضي، وذلك في إطار سعي "محور الممانعة" لفتح جبهة عريضة وطويلة مع الجيش الإسرائيلي، تكون جاهزة لإشعال حرب إستنزاف عند صدور قرار سياسي بذلك.

في الخلاصة، لا شكّ أنّ أهميّة معركة الجنوب السوري الحالي كبيرة جداً، ولها أبعاد إستراتيجيّة، ستتضّح معالمها أكثر فأكثر في المستقبل القريب، مع التأكيد مُجدّداً أنّ حسم هذه المعركة يَستوجب إستعادة "تل الحارة" المُهمّ، وإلا ستبقى الأمور مفتوحة أمام عمليّات الكرّ والفرّ، تبعاً لحجم الحشود العسكريّة التي يتمّ إشراكها في المعركة.

(1)يضمّ "الفيلق الأوّل" التابع للمعارضة السوريّة، وحدات مسلّحة مُشكّلة من نحو 40 كتيبة وسريّة مسلّحة، تأتمر بأمرة موحّدة بقيادة العميد المنشقّ زياد الحريري، بعد أن كانت موزّعة على كل من "أسود السنّة" و"جيش اليرموك" و"فلوجة حوران" و"18 آذار" وغيرها من الفصائل المعارضة للنظام السوري.

(2)يُعتبر "تل الحارة" أعلى هضبة في درعا وفي الجنوب السوري بشكل عام، حيث يبلغ إرتفاعه 1075 متراً. وهو يطلّ على المنطقة الجنوبيّة والغربيّة من ريف دمشق وعلى المنطقة الشماليّة من ريف درعا والقنيطرة. وتردّد أن سقوط التلّ المذكور الذي يبعد 12 كيلومتراً عن الشريط الحدودي في الجولان السوري المحتلّ، بشكل سهل بيد المعارضة السوريّة، جاء نتيجة تخاذل الوحدات المنتشرة فيه عن الدفاع عنه بشكل جدّي، علماً أنّ الشائعات طالت خصوصاً العميد محمود أبو عراج، قائد اللواء 121 التابع للفرقة السابعة في الجيش السوري، والذي قيل أنّه فرّ إلى الحدود الأردنيّة.