في عيد الأم لا استطيع أن أفكر في أمي ليلى فحسب إنما في خالتي مي مر أيضا والتي لا تقل مكانةً عن أمي. الأولى أمي بالجسد والثانية أمي بالروح. من الأولى غرفت الحنان وحبي للفن، ومع الثانية ترسّخ إيماني بالاله الواحد وعشقت لبنان، بلد الانسان الضارب في التاريخ وصولا الى آدم والمتأصل في الجغرافية أبعد من فينيقيا.

اليوم أترحّم على الأمين وأقول طالما إن الموت هو معبر إلزامي الى الملكوت السماوي فمن الأفضل أنهما انتقلتا الى الجنّة قبل أن تعاصرا هذا الزمن الرديء زمن "داعش" واخوانه الذي يكفَر البشر والحجر. يُكفَر المسيحي والمسلم، السنَي قبل الشيعي.

لو كنت على قيد الحياة يا مي مر لتمنيت أن تموتي ألف مرة قبل أن تشاهدي الدواعش يُحطّمون مساجد وكنائس العراق ومتاحف الموصل وحضارة الأشوريين ويسبون نساء الأزيديين ويفرضون الجزية على من تبقى من المسيحيين تحت سلطتهم وينبشون قبور الشعراء والفلاسفة كأبي تمّام وإبن الأثير في بلاد ما بين النهرين. كيف سيكون شعورك لو شاهدت الدواعش يستبدلون صلبان الكنائس براياتهم السوداء ويُحطّمون تماثيل يسوع ومريم؟ أنت يا من نذرت نفسك لقلبيّ يسوع ومريم وكتبت لهما أهم أشعارك في كتابك "ثالوث المجد".

أسوأ من جرائم "الدواعش" هو اعتقادهم أنهم يُحقّقون إرادة الله من خلال قتلهم وتدميرهم، فهم يذبحون الأبرياء بإسم الله ويُقدّمونهم قرابين على مذبح جهلهم لقيم الدين والإنسان.

يأتي عيد الأم يا مي مر هذه السنة وكأن الخطر الأمني والهمّ المعيشي لا يكفي اللبنانيين، حتى إزداد الفساد شدّة في بلاد الأرز.

ننام ونصحو في كل يوم على فضيحة، موظفون يبيعون عقارات الدولة، مستشفيات تعالج موتى لتثرى على حسابهم، فيما يموت الأطفال على أبوابها لأنه لا مكان للفقراء فيها.

رغم كل هذه المآسي يا أمي لا يزال هناك رجاء في قلبي بقيامة الإنسان وبقيامة لبنان والعالم.

أحج الى قبر ليلى ومي مر وفي يدي باقة ورد حمراء تعبق محبة وتسامحًا وقداسة جمعتها من حقول شربل ورفقا والحرديني والأخ اسطفان والأب يعقوب الكبوشي ، فالأرض التي أنبتت هؤلاء القديسين وصخرة الجلاء على نهر الكلب الشاهدة على بقاء لبنان ورحيل كل المحتلّين تؤكّدان أن أبواب الجحيم لن تقوى علينا.

كم انا مشتاقة يا مي لتربيتك وثقافتك التي يجب أن تكون مثالاً لكل بيت ليبني عائلة صالحة بالمجتمع، أنت التي جمعت في بيتك كل المثقفين خصوصاً كل يوم ثلاثاء في صالونك الأدبي الذي ضم الأدباء والشعراء والمثقفين نور سليمان، سعيد عقل، رفيق روحانا، موريس عواد، ميشال كعدي، جورج غريّب، إنعام مكي، جورج شكور، جورج زكي الحاج، محمد المغربي وغيرهم كثيرين .

هذا البيت الذي ربيت فيه خمسة أولاد "لينا" و"ندى" و"كمال" و"هادي" و"أرز" وأصبحوا مبدعين كل في مجاله، وربيتني وعلمتينا جميعاً أن نكون بعيدين عن النميمة، وربيت جيلاً كاملاً من الجيش اللبناني حين كنت تعلمين بالمدرسة الحربية، وانا أعلم أنك تذرفين دموعك اليوم على كل جندي أو ضابط يستشهد، وأنا متأكدة من أنك تستقبلينه بالجنة لأن شهيد الجيش قديس.

وبلحظة حنان تجمعنا في هذا العيد المقدس، لن أقول في ذكرى موتك، بل أقول في ذكرى ولادتك بحسب ما تقول القديسة تريزيا الطفل يسوع "أنا لا أموت بل أدخل الحياة" ، لا يسعني إلا أقول "أحبك كثيراً" وأتمنى أن تكوني فخورة بي وبكل عمل أقدمه للبنان.

ورغم انه ما من أحد مكرّم بأمته، ورغم ان المسؤولين لم يكرّموك على ابحاثك التاريخية واعمالك الادبية والشعرية، في حين أنك كُرمت بأميركا وفرنسا وفي دول أخرى عديدة، تكريمك يبقى من الناس الذين ما زالوا لغاية اليوم يقرأون كتاباتك ويحبونك ويقدّرون قيمتك الكبيرة وبيحبون لبنان من خلال كتاباتك.