غابت مظاهر بهجة الأعياد عن كنائس غزّة، في ظلّ صعوبات الحياة اليومية التي يعيشونها بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر على القطاع، ومرارة وذكريات الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي لا تزال حاضرة في أذهان الكثيرين منهم، لكنّهم مصرون على الاحتفال رغم الحزن والألم.

حُزن يقولون إنه سيبقى في القلب طالما بقي الاحتلال جاثماً على الأرض الفلسطينية، ويفرض إجراءاته التعسفية والقمعية عليهم كما غيرهم من الفلسطينيين، في وقت يؤكدون أن إقامة الصلوات والقداديس واجب ديني رغم كل هذه الظروف، التي تعيشها غزة والمنطقة العربية ككل.

وفي ساحة كنيسة القديس بروفيريوس للروم الأرثوذوكس حاول الأطفال أن يصنعوا الفرح والبهجة، بعد أن حملوا سعف النخيل وأغصان الزيتون وأقاموا القداديس، واحتفلوا بأحد الشعانين، وعيد الفصح المجيد، معبرين عن الفرح رغم الألم.

ويوجد في غزة كنيستان، واحدة تتبع للطائفة اللاتينية، وهي "كنيسة دير اللاتين"، وكنيسة أخرى تتبع للطائفة الأرثوذوكسية، وهي "كنيسة القديس بروفيريوس للروم الأرثوذوكس"، ويعيش في القطاع المحاصر 1500 مسيحي تقريباً من طوائف مسيحية مختلفة.

أمنيات وإجراءات

"لا نستطيع الذهاب للقيامة"، هذا ما أكّده الشاب ميكائيل النصراوي، والذي لم يتمكن من الذهاب إلى كنيسة القيامة في القدس المحتلة للاحتفال بالأعياد المسيحية هناك، بسبب إجراءات سلطات الاحتلال الاسرائيلي التي تفرضها على أعمار المسيحيين الذين يتمكنون من الوصول للقدس والضفة الغربية المحتلة، إذ لا تسمح لمن تقل أعمارهم عن 35 عاماً من المغادرة، ما يعني حرمان آلاف المسيحين الذين يعيشون في غزة.

وفي حديث لـ"النشرة"، يقول الشاب نصراوي: "العديد من العائلات تستطيع الذهاب إلى الضفة الغربية المحتلة والقدس والأراضي المحتلة عام 1948، لتحتفل بالعيد هناك، لكننا كشباب في غزة لا نستطيع الذهاب بفعل إجراءات الاحتلال".

ويتمنى الشاب العشريني أن يذهب إلى كنيسة القيامة للاحتفال بعيد الفصح مع أبناء طائفته الأرثوذوكسية، ولفت إلى "أننا في غزة نجتمع كعائلة واحدة ونعيش أجواء العيد رغم كل شيء".

رغم الحزن..

أما بالنسبة للستينية سميرة الصايغ، فالحزن لا زال في القلب، على ما حصل في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، من قتل وتدمير وتشريد لمئات الآلاف الفلسطينيين، إذ أن "الجميع فقد أخوة وأحباء وأبناء، ومساجد دمرت وكنائس قصفت".

وتقول لـ"النشرة"، رغم هذا الحزن إلا أننا نقيم الصلوات والقداديس، وندعو أن يعم الأمن والاستقرار والسلام على فلسطين والعالم، مشيرة إلى أن "ما حصل في غزة على مدار 51 يوماً لا ينسى على الإطلاق".

وتوضح الفلسطينية الصايغ، والتي فقدت والدها شهيداً عام 1948، أن الطقوس الدينية يجب أن يتم تأديتها في رغم هذه الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، مشددة على أننا "سنبقى نقاوم حتى نحصل على ما نريد".

وتضيف: "على العالم أن يستيقظ من سباته ويدرك أن هناك شعبا يعاني وفقد أراضيه ودياره وقُتل أبناؤه في سبيل تحرير أرضه، وعليه أن يشعر بأن هناك شعبًا معذبًا ومقهورًا".

لا زلنا نعاني

وفيما أشارت الصايغ وهي من الطائفة الأرثوذوكسية، إلى معاناة الفلسطينيين في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، يرى الشاب عبد الله جهشان أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعاني منها سكان غزة، لا تسمح بالبهجة في الأعياد المسيحية في كنائس غزة.

ويلفت في حديث لـ"النشرة"، إلى أن الأجواء اقتصرت على الاحتفالات الدينية، نظراً للظروف الصعبة في القطاع، إضافة إلى أن "دماء الشهداء لم تجف بعد، ولا زالت همجية الحرب مسيطرة على أذهاننا".

ويضيف: "عانينا الويلات ولا زلنا نعاني، ونحرم من زيارة الأماكن المقدسة، إذ أنه قبل أسبوع تم ابلاغنا أن الاحتلال سيمسح لنا كشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 26 عاماً وحتى 35 من الذهاب للقدس والضفة لكننا تفاجأنا بأن الاحتلال لم يسمح لنا"، واصفا ما حدث بالادعاءات من قبل الجانب الاسرائيلي.

أمل بالحرية والسلام

ورغم الآلام والأحزان التي يعيشونها مسيحيو غزة، إلا أنهم يشعرون أيضاً بمعاناة غيرهم من المسيحيين ممن يُعذبون ويعانون الويلات من قبل الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق ولبنان والذين يتم ملاحقتهم وقتلهم ويتعرضون للخطف المتكرر.

ويقول المرتل الأول في كنيسة القديس بروفيريوس للروم الأرثوذوكس إبراهيم جهشان لـ"النشرة"، إن ما يعانيه المسيحيون في سوريا ولبنان والعالم العربي من قبل "داعش" والجماعات الإرهابية، لا يقل معاناة عن غزة التي تعاني من الاحتلال منذ قرون.

ويتابع: "قلوبنا معكم وصلواتنا معكم" متمنياً أن يعم الأمن والسلام والاستقرار كافة أرجاء المنطقة العربية ويتحقق السلام العادل في فلسطين التي تفتقد للحرية والعدالة للسلام.

للإطلاع على الصورإضغط هنا.