تقفز الأحداث في العراق كل يوم قفزة جديدة، لا سيما في الميدان العسكري، فيما الحركة السياسية ما تزال بغالبيتها محكومة بما تحاول واشنطن إملاءه، حتى في الميدان، مثلما حصل في الرمادي، حيث تمّ الانسحاب بناء على إشارة من الخبراء الأميركيين الموجودين هناك، الأمر الذي فاجأ القيادة العراقية.

من الواضح أن الثقة بالأميركيين باتت شبه معدومة، إن لم تكن معدومة بشكل كامل، بغض النظر عن الشكليات في الاستقبالات، أو قيام الرئيس الأميركي بلقاء رئيس الوزراء حيدر العبادي على هامش قمة الدول السبع في ألمانيا، ضمن محاولات ترميم الثقة، أو جسر الهوة في الثقة، في ضوء عدم تردّد العبادي بإعلان أن واشنطن ليست جدية في مكافحة "داعش"، مع الإشارة إلى أن الضربات الجوية التي يقوم بها "التحالف" لا تقدّم ولا تؤخّر في مسار المعركة التي قرر العراقيون خوضها بأنفسهم، بغض النظر عن الخطابات الأميركية والإرشادات من خلف البحار.

ما قاله أوباما بالتزامن مع لقائه العبادي في ألمانيا يؤشر إلى استمرار النهج الأميركي غير المستقر والمربك تجاه التنظيمات الإرهابية ذات المنشأ "القاعدي" مثل "داعش"، إذ إن أوباما قال كلاماً عاماً فحواه أنه واثق من طرد التنظيم الإرهابي من العراق وسيُهزم، مع توقعه بحدوث انتكاسات إلى أن يتحقق ذلك، معتبراً ما حققته "داعش" في الرمادي هي نجاحات قصيرة الأجل، وبالطبع مع إعادة المعزوفة بأن بلاده ستدرس كيفية تسليح الذين يقاتلون "داعش"، وذلك بعد أيام من إعلان الإدارة الأميركية أنها ستعيد النظر في استراتيجيتها المعتمدة منذ أشهر ضد "داعش"، لا سيما بعد السيطرة على الرمادي.

كلام أوباما معطوفاً على كلام وزير دفاعه السابق روبرت غيتس يؤكد أن واشنطن ما تزال تراوغ، لعدم امتلاكها رؤية شاملة، إذ إن غيتس قال بما يشبه التكذيب للإدارة الأميركية: "لم تكن لدينا استراتيجية على الإطلاق في العراق، نحن نقوم بالمهمة كل يوم بيومه"، الأمر الذي يعني تسجيل طلعات جوية مقبوضة الثمن مسبقاً، بالتوازي مع دأب الولايات المتحدة على إيجاد ميليشيات تتسلح منها مباشرة من العشائر السُّنية والأكراد، لتكون ألغاماً مستقبلية بدل أن تشجع توحيد الجهود العراقية لمحاربة "داعش"، وهو ما ينفذه العراقيون دون رغبة واشنطن، بالتوازي مع تمنُّع الولايات المتحدة عن الوفاء بالتزاماتها في إعطاء العراق طائرات الـ"اف 16" التي دفع ثمنها العراق وماتزال رابضة في المهاجع الأميركية، بالتزامن مع ابتزاز فاضح بأنها لن تدرب أي طيار "شيعي" على العمل على أي طائرة، وأنها هي التي تحدد الطيارين الذين سيقودون الطائرات؛ من ضمن سياسة زرع الشكوك بين رفاق السلاح من جهة، وتوسيع رقعة الشقاق في المجتمع العراقي.

في المقابل، أبدت روسيا استعدادها لتلبية طلبات العراق بأقصى قدر ممكن، لضمان القدرات على طرد "داعش" وغيره من الإرهابيين، حسبما أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف رئيس الوزراء العراقي خلال زيارته الأخيرة لموسكو، التي سلّمت بغداد العام الماضي طائرات "سوخوي" مطوّرة، فضلاً عن مروحيات هجومية.

في الواقع، يحقق الجيش العراقي والحشد الشعبي إنجازات هامة منذ تحرير تكريت، من دون معونة أميركية، وسط شكوك بإلقاء الطائرات الأميركية عتاداً ومساعدات لـ"داعش"، لذلك فإن المسار العام ينبئ بالتقدم، بغض النظر عما ستفعله واشنطن التي طالبها العبادي وبقية الذين يسهّلون تمويل "داعش" بعدم تسهيل شراء النفط من التنظيم الإرهابي.

إلا أن القضية المستجدة هي استخدام "داعش" المياه كسلاح لتعطيش البلدات والقرى التي تتغذى من سدود الفرات، حيث يسيطر التنظيم على 3 سدود (الرمادي، والفلوجة، وناظم الورار)، وبدأت عملية التعطيش في منطقة اهوار الناصرية، حيث بدأ الجفاف يضرب تدريجياً، الأمر الذي يتجاهله الجميع.