لم تنتظر الولايات التحدة الأميركية كثيراً بعد موجة الإرهاب الواسعة التي شملت الكويت وقبلها السعودية، ومعهما تونس وفرنسا، حتى أعلنت عن استراتيجيتها العسكرية التي تسمّيها بالجديدة، وهو في الجوهر ليست كذلك، إنما ظروف الصراع دفعتها إلى التأكيد عليها من جهة، ولمحاولة تغطية الأخطر من جهة ثانية، وهو اكتشاف أوروبا أنها ضحايا التجسس الأميركي؛ على المستويات كافة، وصولاً إلى التجسس الشخصي على الرؤساء الأوروبيين، ولاسيما فرنسا وألمانيا.

لا شك أن العبودية الطوعية للسياسة الأميركية التي اختارها الأوروبيون، وضمناً أيضاً المملكة المتحدة (بريطانيا)، التي رفعت من مستوى الاستنفار، توجساً من هجمات انتحارية ناجمة عن مسائل عدة، ربما يكون التجسس بنتائجه واحداً من الأسباب الرئيسية للذل والهوان الأوروبي وانحناء رؤوس الكبار أمام واشنطن، التي ترسل كثيراً من الرسائل القاتلة على أهون الأسباب.

لقد أعلنت تونس حال الطوارئ بعد الهجوم المروع في "منتجع سوسة"، حيث كان أكثر الضحايا من الغربيين، وعلى رأسهم أبناء الملكة اليزابيت، الذين كانوا ثلاثين قتيلاً، وطبعاً هناك ألمان وغيرهم، إلا أن العملية المدانة ليست هي المسألة الاساس، إنما من يقف وراءها من الأجهزة الاستخبارية، والفكر المحرّك بجوهره، وإن ركن إلى عنوان آخر غير الذي كان السبب المعلن في جريمة الكويت، التي تعاطت معها الأطراف الكويتية كافة برجاحة عقل، كي لا تقع في الفتنة المذهبية، التي هي جزء أساس في الاستراتيجية الأميركية المعتمدة منذ غزو العراق والإعلان عن الفوضى المدمرة، ومن بعد الحرب الناعمة، جراء فشل السياسات الأميركية في إخضاع دول العالم؛ كما كانت تريد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

من التساؤلات المطروحة اليوم، وبشكل جدي وصارم: ما هي أسباب نشوء المنظمات الإرهابية، وما هي المنابع الفكرية المعتمدة في زرع الفتن، والقوى والدول الممولة، والأطراف الراعية التي أوجدت البيئات الحاضنة للنمو، وكيفية إدارة توحّش تلك المنظمات والفرَق.. والأهم: من يستفيد من تلك الأعمال؟

الأغرب هو أن الدول الأكثر تضرراً من الإرهاب على المستوى الاستراتيجي هي الدول نفسها التي أُدرجت كأعداء على القائمة الأميركية، والدول التي هي الضحايا المباشرة أيضاً للإرهاب كانت البدايات فيها كمسارح للإرهاب، ومن ثم توغّل الإرهاب وبات لبعض تشكيلاته برامج تخصّه كمكافآت على دوره؛ كأي موظّف يعتقد أنه نفذ الأعمال المربحة لسيده أو مديره!

لقد وضعت الولايات المتحدة استراتيجيها العسكرية الجديدة، وحددت "الدول - الأعداء" بشكل واضح، وهي الدول التي ترفض الخضوع للرغبات الأميركية المسمومة، بحيث تريدها مثل الدول الأوروبية؛ بلا كرامة ولا سيادة وطنية، إنما مجموعة موظفين تحدد واشنطن مقدار مكافأتها حسب مزاجها.

لقد اعترفت واشنطن أن الدول المصنَّفة أعداء لها، ولاسيما روسيا وإيران، ليست لديها نوايا عدوانية تجاه الولايات المتحدة لتؤكد بطريقة غير مباشرة أنها هي صاحبة النوايا العدوانية، بالإشارة إلى تنامي التهديد، وما الإعلان الأميركي الفاجر أن "الاستراتيجية الجديدة تعالج الديناميات لضمان أن تبقى القوات الأميركية هي الأفضل في القيادة والتدريب والتجهيز العسكري على هذا الكوكب" إلا اتجاه لإشعال الكوكب، أو الخضوع لمشيئة أميركا المذلة.