من الواضح أنّ جلسة الحوار الجديدة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي ستُعقد كما هو مُقرّر يوم الأربعاء المُقبل، حيث صدرت مواقف مُرحّبة من أغلبيّة القوى السياسيّة الأساسيّة باستثناء حزب "القوات اللبنانيّة" الذي سيُعلن موقفه يوم السبت المقبل. لكنّ نجاح رئيس السلطة التشريعيّة في جمع رؤساء الكتل النيابية وبعض المُستقلّين حول طاولة حوار جديدة، على الرغم من فشله في جمعهم تحت سقف المجلس النيابي، لا يعني أنّ التوصّل إلى حلول للأزمات المُتراكمة مسألة محسومة، بل العكس هو صحيح، للأسباب التالية:

أوّلاً: إنّ المُشكلة الأساسيّة التي ستُواجهُها ​طاولة الحوار​ تتمثّل في خريطة طريق الحل المنشود، حيث يُصرّ "التيّار الوطني الحُرّ" ومعه أكثر من فريق سياسي داعم، على أنّ البداية تكون بإجراء إنتخابات نيابية وفق قانون جديد يعتمد مبدأ النسبيّة، وذلك بهدف إعادة تشكيل السلطة السياسيّة وفق موازين القوى الحقيقيّة حالياً، في مُقابل رفض الكثير من خصوم "التيّار" السياسيّين هذا المسار، وتمسّكهم بضرورة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية كمدخل لأيّ حلّ، على أن يَلي ذلك إستقالة تلقائيّة للحكومة، والإتفاق على قانون جديد للإنتخابات وتشكيل حكومة جديدة.

ثانياً: إنّ المُشكلة الثانية التي لا تقلّ أهمّيّة عن الأولى، والتي سيُواجهُها المُشاركون في طاولة حوار التاسع من أيلول، تتمثّل في قانون الإنتخابات النيابيّة المُفترضة، أكان موعد إجرائها سيُحدّد قبل الإنتخابات الرئاسية أم بعدها، باعتبار أنّ كل محاولات الإتفاق على قانون جديد والتي كانت قد جرت عشيّة إنتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي في حزيران من العام 2013، أي قبل التمديدين المُتتاليين(1)، باءت بالفشل. ومنذ ذلك الحين حتى اليوم، لم يحدث أيّ خرق على صعيد التباينات الكبيرة والمُتناقضة بشأن طبيعة القانون (أكثري أم نسبي أم مختلط)، وتقسيم الدوائر (لبنان دائرة واحدة أم محافظات أم أقضية أم دوائر مُصغّرة، إلخ.)، وعدد النواب في كل دائرة وغيرها الكثير من التفاصيل.

ثالثاً: إنّ أيّ خلاف بين المُتحاورين بشأن مواضيع البحث وأولويّات النقاش، سيفتح الباب على مصراعيه على كل أنواع المواضيع التي سبق لطاولات الحوار السابقة أن بحثتها، بحيث سيُطالب فريق "تيّار المُستقبل" والقوى الحليفة له بإحترام إتفاقات طاولات الحوار السابقة قبل الإتفاق على بنود جديدة، وسيُحاولون إعادة إحياء "​إعلان بعبدا​". وهم لن يتردّدوا في العودة إلى قضيّة سلاح "حزب الله" في حال جرى الضغط عليهم من الخصوم لفرض عناوين مُحدّدة دون سواها على جلسات الحوار المُرتقبة.

رابعاً: إنّ من شأن غياب أيّ قيادات سياسيّة مهمّة عن الحوار، ومُشاركة أخرى برؤساء الكتل النيابيّة التي لا تملك سُلطات البت والحسم في المواضيع الخلافيّة، أن يُضعف بدوره فرص التوصّل إلى حلول للمشاكل الكبيرة التي يرزح تحتها الوضع السياسي اللبناني العام.

في الختام، من المُرجّح أن ينجح برّي في جمع ما بين 15 إلى 20 شخصيّة حول طاولة حوار جديدة، لكن عمق الخلافات وتراكمها يجعل الآمال المعقودة للتوصّل إلى حلول للأزمات ضعيفاً، في ظلّ تباين كبير في خريطة طريق الحل بالنسبة إلى الأطراف المَحلّيين، وفي ظلّ إستمرار الصراع الإقليمي بشدّة. وتعتبر بعض القوى السياسيّة أنّ التحاور من دون التوصّل إلى حلّ يبقى بالتأكيد أفضل من عدم التحاور والتصادم، وقد يكون حوار "حزب الله" و"تيّار المُستقبل" المُتواصل من دون أيّ نتائج مُهمّة، خير مثال على ذلك. لكن في المُقابل، تتخوّف قوى سياسيّة أخرى من أنّ الوضع اللبناني الذي بلغ في الأيّام والأسابيع القليلة الماضية مرحلة مُتقدّمة جدّاً من الإحتقان والتصعيد بسبب الحراك الشعبي والصدامات المُتكرّرة، لا يحتمل أيّ فشل جديد على مستوى حوار كبار المسؤولين، وتعتبر أنّ البديل لأيّ فشل سيكون الإنفجار الشامل.

(1)مُدّدت ولاية المجلس النيابي للمرّة الأولى لمدّة 17 شهراً حتى تشرين الثاني 2014، ثم مُدّدت الولاية مُجدّداً لكامل الفترة المُتبقيّة للولاية الثانية حتى حزيران 2017.