مع إعلان الشركة الإيطالية المنقّبة في مصر، اكتشاف حقل غاز هو الأكبر في الشرق الأوسط على الشاطئ المصري، كشفت "إسرائيل" عن عمق الكراهية للدولة العربية الأولى التي أقامت معها معاهدة "سلام"؛ في صفقة هي الأقسى على الأمن القومي العربي، والتي بسببها وصلت حال العرب إلى ما هي عليه الآن.

ثلاث عبارات "إسرائيلية" تكشف مدى "الحقد" الصهيوني من الاكتشاف الغازي الذي قد يصبح من أكبر الاكتشافات الغازية في العالم، ويجعل من مصر إحدى أعضاء نادي الدول العشر الأكثر إنتاجاً للغاز المسال في العالم، وتلك العبارات جاءت على الوجه الآتي :

1- "إنها حرب غفران اقتصادية"، أي أن مفاعيلها ستكون على المستوى الاقتصادي مثلما كانت مفاعيل حرب تشرين عام 1973 التي تسميها "إسرائيل" حرب "يوم الغفران" على المستويين العسكري والسياسي. مدير عام شركة الغاز "الإسرائيلية"؛ الداد تامير، قال إن الأنباء سيئة للاقتصاد "الإسرائيلي"، مشيراً إلى الضغط لدفع أسعار الغاز إلى الهبوط.

في الحقيقة، الهلع "الإسرائيلي" على المحفظة المالية انعكس فور الإعلان عن اكتشاف حقل "ضهر"، بحيث هبطت أسهم الشركات الغازية بنسبة 13 و13.7 بالمئة، وذلك بموازاة ارتفاع المخاوف من وقف تصدير الغاز "الإسرائيلي" من حقلي "تمار" "وليفثان" إلى كل من مصر والأردن، واعتبر وزير الطاقة "الإسرائيلي" أن اكتشاف الحقل "تذكير مؤلم"، وستظهر عقبات أمام احتمالات تصدير الغاز.

2- العبارة الثانية كانت "وقاحة مصر"، وهو عنوان المقالة لمحلل الشؤون العربية في "هآرتس" تسفي برئيل، بسبب الاكتشاف، الأمر الذي حوّل نظرة "إسرائيل" إلى مصر وكأنها أقدمت على "عمل وقح" يجب استنكاره، وقال إن أي زعيم "إسرائيلي" لم يكلّف نفسه عناء الاتصال بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتهنئته على اكتشاف حقل الغاز، الذي من شأنه إنقاذ بلاده من مشكلاتها الاقتصادية".

3- أما العبارة الثالثة فهي اتهام مصر بالتدخل في الشأن الداخلي "الإسرائيلي"، "عبر استغلال أزمة الغاز للزج بالملف النووي الإسرائيلي لاحقاً ضمن إخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي".

ليس من الغريب أن تثور ثائرة "الإسرائيليين"، رغم أن الاكتشاف لم يرْقَ بعد إلا إلى تقدير وجود 30 تريليون متر مكعب تكفي مصر، لو صحّت هذه التقديرات، إلى خمسين سنة على الأقل، مع فرص عمل هائلة، وتحويل فاتورة المدفوعات الخارجية لشراء الغاز إلى التنمية في مجالات داخلية مختلفة، ومن هذا الباب يمكن لمصر أن تتحرر بنسبة لا بأس بها من قبضة الأوصياء الماليين، إذا انتقلت إلى التصدير، خصوصاً أن هناك آمالاً باكتشافات جديدة في أماكن سينتقل إليها التنقيب في سيناء وخليج السويس والدلتا، والبحر المتوسط أيضاً، وهي مناطق واعدة، سيما أن المكتشَف يُعتبر عائماً نسبياً، إذ إنه على عمق 1450 متراً فقط، وهذا يخفض الكلفة في الإنتاج، لأن المكتشفات الأخرى لا يقل عمقها عن 4131 متراً.

في واقع الأمر، تفصل مصر عن عملية الإنتاج 4 سنوات، وعندها ستكون الحقيقة التي ستحكم أيضاً الواقع السياسي؛ من حيث إمكانية الاستقرار الموعود، وتوجّهات النظام السياسي التي لم تتبلور بعد بصورة قاطعة.

المصريون اعتادوا على وعود كثيرة، والآن تراودهم شكوك كثيرة، ويخشى أن تصطدم بأحلام وآمال لا تتحقق، خصوصاً لجهة الاستقلال بالقرار السياسي.