على طريقة "بنات السوء" يتعامل الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، مع العملية العسكرية الروسية في سورية، التي ستستمر، وانتهاؤها مرتبط فقط بانتهاء تقدّم الجيش العربي السوري على الأرض.

منذ الموجة الأولى من الغارات الروسية، التي أثبتت فعالية أذهلت الغربيين، خصوصاً خبراءهم الأمنيين والعسكريين، وكل أجهزة استخباراتهم، أطلقت غالبية الإدارات الغربية، وعلى رأسها الأميركية، حملة تشويه هدفت إلى النيل من العملية العسكرية فائقة النجاح، ما عكس حالة استغراب لدى مراكز الدراسات والبحث ذات الصفات الجادة والجدية؛ بالتساؤل عن السند الذي يتكئ عليه الغربيون في الحملة قبل أن يحصل أي تحقّق من النتائج، والتي بدون شك أعطت ثماراً فوق المتوقَّع، وقد تمظهر ذلك لاحقاً بسلسلة مؤشرات، دوّنتها العديد من المراكز البحثية والدراسية، فضلاً عن أجهزة الاستخبارات، ومن تلك النتائج:

1- تدمير العديد من غرف العمليات والإدارة والتحكّم لأكثر من فصيل إرهابي، وفي المقدمة "داعش"، فضلاً عن مقتل أعداد كبيرة من الإرهابيين، ومن جنسيات مختلفة.

2- فرار المسلحين بالآلاف، لاسيما إلى تركيا التي كان خطابها الأسوأ، بموازاة محاولة ابتزاز تجاري لروسيا، لم يعلّق عليه المسؤولون الروس، لأن العمليات تسير وفق المرسوم.

3- فرار موجات من المسلحين إلى الاردن، حيث غرفة عمليات "موك" ضخّت مئات الإرهابيين عشية العملية الروسية إلى الجبهة الجنوبية، وقد لاقى العشرات حتفهم في عملية مركّبة، وبدا أمر الفرار كالهجرة المعاكسة، وسط صمت أردني، وكأن النظام ورموزه أصيبوا بتهتّك جسدي كبير جعل الطير على روؤسهم.

4- تسليم نحو 1500 مسلّح أنفسهم في درعا، وسط تظاهرات تناشد الجيش السوري الإسراع في عملية تحرير البلدات من الإرهابيين وجورهم.

5- تأكَّدَ لكل المتورطين في الحرب السورية أن العملية العسكرية الروسية ليست كتلك العملية الأشبه بالكاريكاتورية التي أعلن عنها "التحالف الدولي" بقيادة أميركا، والذي لا تعدو عمليات قصف "قشرية"، وكأنها لرفع العتب، وربما للتخلص من ذخائر باتت قديمة "مُفَوْتَرَة" على الدول النفطية والغازية.

لقد سعى الغربيون، ومعهم أنظمة البؤس العربي في الخليج تحديداً، وفي المقدمة السعودية كمتورط رئيسي في الدم السوري، وكذلك تركيا، إلى محاولات تفريغ العملية العسكرية الروسية من أهميتها المحورية في مكافحة الإرهاب، خصوصاً أن الجميع أدرك جدية روسيا في المكافحة الحقيقية لكل التنظيمات الإرهابية، وهذا بحد ذاته أشعر الدول الداعمة للإرهاب والمستخدمة له أن الفشل النهائي اقترب، ولم يعد هناك إلا إعلان موت المشروع برمته بعد انتهاء العملية المتدحرجة.

لا شك أن العجز الغربي مع التآمر اتضحا كعين الشمس، لا بل ظهرت الفضيحة الكبرى بالهجوم الاستباقي، والادعاء أن الغارات الروسية تستهدف المعارضة السورية ولا تستهدف "داعش"، ثم إنها تستهدف المدنيين، ومن ثم القول إن الصواريخ التي أُطلقت من بحر قزوين سقطت أربعة منها في الأراضي الإيرانية، ليتبيّن أن كل ما اورده الغربيون وإعلامهم لا يعدو كونه سلسلة من الأكاذيب المعتمّدة عادة ضمن حملات التشويه والحرب النفسية، و"التشاطر" في قلب الحقائق، وصولاً إلى استخلاص نتيجة غربية معمَّمة على كل "صحافة الحرية"؛ من فرنسا إلى بريطانيا، وحتماً أميركا؛ أن العملية الروسية ستفشل، ولن تكون لها أي فائدة، من خلال سيناريوهات متخيَّلة.

افتضاح الأكاذيب الآنفة الذكر استدعى مخاطرة كاذبة مستقاة أيضاً من مدرسة "غوبلز"، مع تطوير لزوم الحال، بحيث حاول الغربيون تصوير العملية الروسية أنها ضد "السُّنة"، وساندهم بذلك 55 من دعاة التحريف الديني ودعاة "جهاد النكاح" في السعودية؛ بالدعوة إلى الجهاد ضد القوات الروسية، وفيها حشو لمضامين هوليودية ناجمة عن تشوّهات مجتمعية.

لم يكن لأي من الدول المعادية لروسيا، وسورية، أن ترفض بالعلن وضع نهاية لتنظيم "داعش" الإرهابي، إلا أن المخاوف من المتغييرات التي ستنتج حتماً عن العملية ستكون لها تداعيات على كل المتورطين في تدمير البنيان السوري، ولذا شنوا الحملة الاستباقية لعلها تفيد في مكان ما في حماية المجموعات التي تتحرك بأموالهم.

إن الجدية الروسية والصرامة في ترجمة القرارات، جعلت الغلواء تتراجع بنسبة، ولو أقل من المقبول، إلا أن مسارعة الولي الثاني لعرش آل سعود؛ وزير الدفاع محمد بن سلمان، إلى زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي، تعكس الشعور العام باقتراب السكين من الرقبة، رغم جزئية المكابرة، سيما أن التحليلات "العاقلة" في الغرب، بموازاة قراءات الرؤوس الباردة، تجمع أن بوتين في خطوته السورية وجّه صفعة مؤلمة للغرب، بما يمثّل مع ملحقاته، وما خلاصة كلام وزير خارجية السعودية المرافق لوزير الدفاع بـ"أننا سنزيد التعاون مع روسيا في مكافحة الإرهاب" إلا إقرار بالتوجّه الروسي، الذي سيأتي يوم يبحث الغرب عن مخرج لنفسه، ولو دون حفظ ماء الوجه.