ما يزال المشهد الليبي مطبوعاً بالدم المهدور يومياً على مذبح التدخل الدولي الذي انطلق أساساً من عدوان الحلف الأطلسي تحت راية الوعد بالمنّ والسلوى بواحات واسعة من "الديمقراطية" السيالة في صحراء ليبيا، والحرية الموعودة كسراب تلك الصحراء التي يتدفق إليها خبراء الإرهاب.

وسط الأجواء الملفوحة بضباب رمال الصحراء، لم تهتدِ وعود الأمم المتحدة إلى حل للأزمة الليبية، سوى عبر كلمات قالها المبعوث الدولي المتنحي برنار دينو ليون، خلاصتها: حكومة "وحدة وطنية"، أو ليكن الطوفان.

لقد تبيّن أن الموفد المذكور الذي تراكمت وعوده كوعود "إبليس في الجنة"، كان هدفه المركزي البحث عن وظيفة في دولة الإمارات العربية، وهي أحد الأطراف الأساسية المتورطة في الأزمة الليبية، والوظيفة - الفضيحة التي سعى إليها على حساب دماء الليبيين، "مدير عام الأكاديمية الدبلوماسية في الإمارات"، على أن يتسلم المنصب الشهر المقبل، ما دفع بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لتعيين بديل بصورة سريعة، علّه يخفف من وقع الفضيحة، وهو الألماني مارتن كوبلر.

لقد تجلت الشبهة مراراً بأداء ليون خلال إدارته العملية التفاوضية، خلافاً للمهمة التي أنيطت به كوسيط محايد ونزيه، وتجلّت مراراً في وضعه شروطاً أمام التوافق، تبدّت بتأليب أطراف ترتبط عضوياً مع دولة أقحمت نفسها طرفاً رئيسياً في النزاع القائم، بعد شبهة غير مسبوقة لدور يجب أن يكون حيادياً، كما اتهم أيضاً رئيس المؤتمر العام في طرابلس أبو سهمين.

من المحتمل أن يشهد الوضع الليبي بعض التحسُّن الداخلي إذا عقد مجلس النواب الليبي جلسته المؤجلة أصلاً، لمناقشة اتفاق السلام الذي جرى التوصل إليه في الصخيرات المغربية، وللبتّ فيه بهدف إنهاء الصراع على السلطة.

من المتفائلين بالانفراج السياسي، ودون حذر، رئيس الحكومة محمد الثني، الذي أطلق تصريحاً من دولة الإمارات، والذي رأى أن كل الأطياف السياسية توصلت إلى اتفاق حول الحل السياسي والتهدئة الأمنية بعد "تدخُّل عقلاء ليبيا".

كما يبدو أن الخطوة الأولى تكمن في تشكيل حكومة وحدة وطنية، يعتقد البعض، ومنهم قيادات ليبية، أن تشكيلها سيكون وشيكاً، إلا أن هذا الأمر لا يمكن أن يكون خاتمة المأساة الليبية في ضوء المعارك الدموية في أنحاء متعددة من ليبيا مع التنظيمات الإرهابية المختلفة، والتي تتخوف دول الجوار من امتدادها إليها على الصورة الليبية، بعد أن ضربت فيها ضربات أشبه بنذر العاصفة، خصوصاً تونس.

المعاراك الدائرة يتواطأ الكثيرون لمنع تغطيتها، ولو إعلامياً، وكأن ليبيا ليست على قائمة الاهتمام الدولي بعد أن توصّل المشروع الفتنوي إلى غايته السامة.

عمليات القتل والتخريب تسير بزخم أكبر من الحركة السياسية، بحيث سقط الأسبوع الماضي أكثر من مئة قتيل، في قصف صاروخي على تظاهرة مدنية ضد القوى المتحكمة في بنغازي، التي كان اللواء خليفة حفتر وعد بتنظيفها من الإرهابيين، فيما باتت منطقة مصراتة بكاملها في قبضة القوى المتمردة، وتشكل ظهيراً وامتداداً للإرهابيين في بنغازي وقار يونس.

إلا أن الوضع الأشد خطورة يبقى في سرت، حيث تتموضع "داعش" وتتلقى مساعدات عسكرية من الجو، آخرها قيام "طائرات مجهولة" يرجح أنها أميركية برمي أسلحة وذخائر قرب معسكر لـ"داعش"، يبعد 17 كلم عن مطار سرت وقاعدة القرضابية، اللذين استولى عليهما التنظيم الإرهابي قبل سبعة أشهر.

ليس هذا وحسب، فإن تقارير دقيقة أفادت بأن طائرات استقدمت مقاتلين من شمال أفريقيا، بينهم تونسيون، تلقوا تعليمات بالرجوع إلى بلدانهم منذ بداية الهجوم الروسي على الإرهاب، واستخلصت أن الهدف هو ضرب استقرار تونس، وفتح جبهة جديدة لـ"داعش" في شمال أفريقيا.

هذا التحرك زاد الهواجس التونسية، حيث إن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي قال إن "داعش" على بعد 70 كلم من الحدود التونسية، معتبراً أنه في ظل غياب الدولة في ليبيا، أو بالأحرى تفكّكها، فإن الخطر محدق بالمنطقة ككل.